للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقةَ له، بل ما يتيقن (١) أن باطنه خلاف ظاهره، ولا يُظن بمن دون الشافعي من أهل العلم والدين أنه يأمر أو يبيح ذلك؛ فالفرق [ظاهرٌ] (٢) بين أن لا يعتبر القصد في العقد ويجريه على ظاهره وبين (٣) أن يُسِّوغ عقدًا قد علم بناؤه على المكر والخداع وقد علم أن باطنه خلاف ظاهره.

فواللَّه ما سَوَّغ الشافعي ولا إمام من الأئمة هذا العقد قط، ومن نسب ذلك إليهم فهم خصماؤه عند اللَّه؛ فالذي سوغه الأئمة بمنزلة الحاكم يُجْرِي الأحكام على ظاهر عدالة الشهود وإن كانوا في الباطن شهودَ زورٍ، والذي سوغه أصحاب الحيل بمنزلة الحاكم يعلم أنهم في الباطن شهود زور كَذَبة وأنَّ ما شهدوا به لا حقيقةَ له (٤) ثم يحكم بظاهر عدالتهم. وهكذا في مسألة العِينة: إنما جوَّز الشافعي أن يبيع السلعة ممن اشتراها منه جَرْيًا على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع، ولو قيل للشافعي: "إن المتعاقدين قد تواطئا على ألفٍ بالفٍ ومئتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السلعة محللًا للربا" [لم] (٥) يجوَّز ذلك، ولأنكره غاية الإنكار.

ولقد كان الأئمة من أصحاب الشافعي (٦) ينكرون على مَنْ يحكي عنه الإفتاء بالحيل، قال الإمام أبو عبد اللَّه بن بطة (٧): "سألت أبا بكر الآجري وأنا وهو بمنزله بمكة (٨) عن هذا الخلع الذي يفتي به [بعض] (٩) الناس، وهو أن يحلف رجل أن [لا] (١٠) يفعل شيئًا، ولا بد له من فعله، فيقال له: اخلع زوجتك وافعل ما حَلَفْتَ عليه ثم راجعها، واليمين بالطلاق ثلاثًا، وقلت له: إن قومًا يفتون [هذا] (١١) الرجل الذي يحلف بأيمان البيعة ويحنث أن لا شيء عليه، ويذكرون أن


(١) في (ن) و (ق): "ما يتبين".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ق): "وأما".
(٤) في (و): "لا حقيقة لا به"!
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (و).
(٦) قال (و): "انظر (ص ١٨٣ ج ٣) "فتاوى ابن تيمية"، فعنه يأخذ هنا أيضًا" اهـ.
قلت: وهو في "بيان الدليل" (ص ٢١٥ - ٢١٦).
(٧) في كتاب "إبطال الحيل" (ص ٦٩ - ٧١ - المكتب الإسلامي).
وفيه بعض الاختلاف أشرت إلى المهم منه.
(٨) في (ك): "في منزله"، وفي (ق): "بمنزله في مكة".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من نسخ "الإعلام".
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من "إبطال الحيل"، وفي (ق): "ألا".
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>