للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عقود متفرقة؟ وإذا أخره في عقوده متفرقة أكثر من ثلاث سنين، أيصحُّ أن يقال: وَفَّى بشرط الواقف ولم يخالفه؟ هذا من أبطل الباطل وأقبح الحيل، وهو مخالف لشرط الواقف ومصلحة الموقوف عليه، وتعريض لإبطال هذه الصدقة، وأن لا يستمر نفعها، وألا (١) يصل إلى من بعد الطبقة الأولى وما قاربها، فلا يحل لمُفْتٍ أن يفتي بذلك، ولا لحاكم أن يحكم به، ومتى حكم به نقض حكمه، اللهم إلا أن يكون فيه مصلحة الوقف (٢)، بأن يخرب ويتعطل (٣) نفعه فتدعو الحاجة إلى إيجاره مدة طويلة يعمر فيها بتلك الأجرة، فهنا يتعين مخالفة شرط الواقف تصحيحًا لوقفه واستمرارًا لصدقته، وقد يكون هذا خيرًا من بيعه والاستبدال به، وقد يكون البيع أو الاستبدال (٤) خيرًا من الإجارة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: ٢٢٠].

والذي يُقضى منه العجب التحيّل على مخالفة شرط الواقف وقصدِه الذي يقطع بأنه قَصْدُه مع ظهور المفسدة، والوقوفُ مع ظاهر شرطه ولفظِهِ المخالفِ لقصده وللكتاب والسنة ومصلحة الموقوف عليه، بحيث يكون مرضَاةَ للَّه ورسوله ومصلحة الواقف وزيادة أجره ومصلحة الموقوف عليه وحصول الرفق به مع كون العمل أحبَّ إلى اللَّه ورسوله، لا يغير شرط الواقف، وبجري مع ظاهر لفظه، وإن ظهر قصده بخلافه، وهل هذا إلا من قلَّة الفقه؟ بل من عدمه، فإذا تحيلتم على إبطال مقصود الواقف حيث يتضمن المفاسدَ العظيمةَ فهلا تحيَّلتم على مقصوده ومقصود الشارع حيث يتضمن المصالح العظيمة (٥) بتخصيص لفظه أو تقييده أو تقديم شرط اللَّه عليه؟ فإن شرط اللَّه أحق وأوثق، بل يقولون هاهنا: نصوص الواقف كنصوص الشارع، وهذه جملة من أبطل الكلام، وليس لنصوص الشارع نظير من كلام غيره أبدًا، بل نصوص الواقف يتطرق إليها (٦) التناقض والاختلاف، وبجب إبطالها إذا خالفت نصوص الشارع وإلغاؤها، ولا حرمة لها حينئذ البتة، ويجوز -بل يترجح- مخالفتها إلى ما هو أحب إلى اللَّه ورسوله منها وأنفع للواقف والموقوف عليه، ويجوز اعتبارها والعدول عنها مع تساوي الأمرين، ولا يتعيّن الوقوف معها، وسنذكر إن شاء اللَّه تعالى فيما بعد، ونبين ما يحل الإفتاء به وما


(١) في (ك) و (ق): "ولا".
(٢) في (ق): "للوقف".
(٣) في (ق): "أو يتعطل".
(٤) في (ق): "والاستبدال".
(٥) في المطبوع و (ك): "الراجحة".
(٦) في (ق): "عليها".

<<  <  ج: ص:  >  >>