للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَ ما حلف عليه، وهذه الحيلة لا تتأتى على قول من يقول: يحنث بفعل (١) بعض المحلوف عليه (٢) ولا على قول من يقول: لا يحنث، لأنه لم يرد مثل هذه الصورة قطعًا، وإنما أراد به إذا أكل لقمة مثلًا من الطعام الذي حلف أنه لا (٣) يأكله أو حبة من القِطْفِ الذي حلف على تركه، ولم يرد أنه يأكل القِطْفَ إلا حبَّة واحدة منه، وعالم لا يقول هذا.

ثم يلزم هذا المتحيل أن يجوِّز للمكلف فعل [كل] (٤) ما نهى الشارع عن جملته فيفعله إلا القدر اليسير منه؛ فإن البر والحنث في الأيمان نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي، ولذلك (٥) لا يبر إلا بفعل المحلوف عليه جميعِهِ، لا بفعل بعضه، كما لا يكون مطيعًا إلا بفعله جميعِهِ، ويحنث بفعل بعضه كما يعصي بفعل بعضه، فيلزم هذا القائل أن يجوِّز للمحرم في الأحرام حَلْقَ (٦) تسعة أعشار رأسه، بل وتسعة أعشار العشر الباقي؛ لأن اللَّه تعالى إنما نهاه عن حَلْق رأسه كله، لا عن بعضه، كما يُفتي لمن حلف لا يحلق رأسَه أن يحلقه إلا القدر اليسير منه.

وتأمل لو فعل المريض هذا فيما نهاه الطبيب عن تناوله، هل يُعَدُّ قابلًا منه؟ أو لو فعل مملوكُ الرجلِ أو زوجته أو ولده ذلك فيما نهاهم عنه، هل يكونون مطيعين له أم مخالفين؟ وإذا تحيل أحدهم على نقض غرض الآمر وإبطاله بأدنى الحيل، هل كان يقبل ذلك منه ويحمده عليه أو يعذره؟ وهل يعذر أحدًا من الناس يعامله بهذه الحيل؟ فكيف يُعامِل هو بهذا مَنْ لا تخفى عليه خافية؟

[فصل [إبطال حيلة لإسقاط حق الحضانة]]

ومن الحيل الباطلة المحرمة ما لو أراد الأب إسقاط حَضَانة الأم أن يسافر إلى غير بلدها، فيتبعه الولد.

وهذه الحيلة مُنَاقِضة لما قصده الشارع؛ فإنه جعل الأم أحق بالولد من الأب مع


(١) في (ق): "على فعل".
(٢) في (ن): "يحنث على فعل المحلوف عليه".
(٣) في (ق): "ألّا".
(٤) سقط من "ق".
(٥) في (ن) و (ق): "وكذلك".
(٦) في (ق): "أن يحلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>