للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ووجه البسط والتكرار المقتضي لها -أي لمسألة الطلاق الثَّلاث بلفظ واحد- من أوضح الأشياء وأبينها، ويكفي عذرًا له في ذلك أنه حبس لأجلها وامتحن وأوذي في ذلك: لأن الفتوى بجعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد إنما يقع طلقة واحدة، أمر مستنكر لدى الأجلة من العلماء فضلًا عن طلاب العلم، وعامة الخلق. إذ هم يكادون أن يطبقوا على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد: يقع ثلاثًا لا واحدة فلا تنقيص إذًا ولا ملامة إذا رأينا ابن القيم يكرر الحديث عن هذا المبحث ويزيده في البسط والبيان ليظهر ما يعتقده دينًا، وشرعًا، مؤيدًا له بشتى وجوه الأدلة من الكتاب والسنة، والمعنى، واللغة" (١).

على أنّه إذا رأى أن لا فائدة من إعادة القول استغنى عن ذلك واكتفى بقوله: "تقدم بيان حكمة ذلك ومصلحته بما فيه كفاية" (٢) و"ما أغنى عن إعادته" (٣).

رابعًا: الاستطراد (٤):

هذه الخصيصة عرف بها الإمام ابن القيّم رحمه اللَّه، واشتهرت في أبحاثه، فكان إذا بحث مسألة استرسل في الكلام واستطرد فيها حتّى يخرج عن موضوعه الأصلي إلى موضوع آخر قد يكون أنفع للنّاس من المسألة المبحوثة فيها أصلًا، وهذا ممّا يدلّ على غزارة فكره وعلى جوده بعلمه، وقد أرشد المفتي إلى هذا فقال: "يجوز للمفتي أن يجيب السّائل بأكثر ممّا سأله عنه، وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده، ومن عاب ذلك فلقلّة علمه وضيق عطنه، وضعف نصحه، وقد ترجم البُخَارِي لذلك في "صحيحه" فقال: (باب من أجاب السّائل بأكثر ممّا سأل عنه)، ثم ذكر حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- ما يلبس المحرم؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يلبسُ القُمُصَ، ولا العَمَائِمَ، ولا السَّرَاوِيلَاتِ، ولا الخِفَافَ، إلَّا أن لا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبِسِ الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ" (٥)، فسئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمَّا يلبس المحرم فأجاب عمّا لا يلبس، وتضمّن ذلك الجواب عمّا يلبس، فإنّ ما لا


(١) "ابن قيم الجوزية: حياته وآثاره" (ص ٧٧ - ٧٨).
(٢) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣٢٧).
(٣) "إعلام الموقعين" (٢/ ٣٩٦)، وما مضى من "القواعد الفقهية المستخرجة" (ص ١١٢ - ١١٣).
(٤) ما تحته من "القواعد الفقهية المستخرجة من إعلام الموقعين" (ص ١٠٩ - ١١١).
(٥) انظر تخريجه في التعليق على (١/ ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>