للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلَطاه، فتكون الغلة بينهما نصفين، فإذا أراد صاحب الأرض أن يعود إليه ثلثا الغلة آجَرَه ثلث الأرض مدة معلومة على أن يزرع له مدة الإجارة ثلثي الأرض ويخرجان البذر منهما أثلاثًا ويخلطانه، وإن أراد المزارع أن يكون له ثلثا البذر استأجر ثلثي الأرض بِزَرع (١) الثلث الآخر كما تقدم (٢).

فتأمل هذه الحيلة الطويلة الباردة المتعبة، وترك الطريق المشروعة التي فعلها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى كأنها رأي عين، واتفق عليها الصحابة، وصَحَّ فعلها عن الخلفاء الراشدين صحةً لا يشك فيها، كما حكاه البخاري في "صحيحه" (٣)، فما مثل هذا (٤) العدول عن طريقة القوم إلى هذه الحيلة الطويلة السمجة إلا بمنزلة مَنْ أراد الحجّ (٥) من المدينة على الطريق التي حجّ فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، فقيل له: هذه الطريق مسدودة، وإذا أردت أن تحج فاذهب إلى الشام ثم منها إلى العراق، ثم حج على دَرْب العراق وقد وصلت.

فياللَّه العجب! كيف تُسدُّ عليه الطَّريقُ القريبة السهلة القليلة الخطر التي سلكها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه ويُدل على الطرق (٦) الطويلة الصعبة المشقة الخطرة التي لم يسلكها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا أحد من أصحابه؟

فلله العظيمِ عظيمُ حمدٍ ... كما أهدى لنا نعمًا غزارًا

وهذا شأن جميع الحيل إذا كانت صحيحة جائزة، وأما إذا كانت باطلة (٤) محرمة فتلك لها شأن آخر، وهي طريق إلى مقصد آخر (٧) غير الكعبة البيت الحرام، وباللَّه التوفيق.


(١) في (ق): "ويزرع".
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٢/ ٧٧، ١٤٣)، و"الطرق الحكمية" (ص ٢٨٦ - ٢٩٠) و"تهذيب السنن" (٥/ ٥٦ - ٦٦).
(٣) "يقول الشوكاني: وقد ساق البخاري في "صحيحه" عن السلف غير هذه الآثار، ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصًا أهل المدينة، وقال طاوس وطائفة قليلة: لا يجوز كراء الأرض مطلقًا؛ لا بجزء من الثمر والطعام، ولا بذهب، ولا بفضة، ولا بغير ذلك، وذهب إليه ابن حزم، وقواه، واحتج له بالأحاديث المطلقة" (و).
قلت: فقد تقدمت هذه الآثار عنهم مفصلة مخرجة انظرها (٤/ ٢٠٠).
(٤) سقط من (ق).
(٥) في (ك): "أن يحج".
(٦) في (ن) و (ق): "الطريق".
(٧) في (ن) و (ق): "مقصود آخر".

<<  <  ج: ص:  >  >>