للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمرك إليَّ حتى أجعله صداقًا، فإذا فعلت أحْضَرَ وليها وتزوَّجها؛ فإن حذرت المرأة من ذلك كله ولم يتمكن منه لم يبق له إلا حيلة واحدة، وهي أن يحلف بطلاقها، أو يقول: قد حلفت بطلاقك أن (١) أتزوج عليك في هذا اليوم أو هذا الأسبوع، أو أسافر بك، وأنا أريد أن أتمسك بك ولا أدخل عليك ضرة ولا تسافرين، فاجعلي أمرك إليَّ حتى أخالعك وأردك بعد انقضاء اليوم وتتخلصي من الضرة والسفر، فإذا فعلت أحْضَرَ الشهود والولي (٢) ثم يردها (٣).

[[بطلان هذه الحيل]]

وهذه الحيلة باطلة؛ فإن المرأة إذا بانت صارت أجنبية منه؛ فلا يجوز نكاحها إلا بإذنها ورضاها، وهي لم تأذن في هذا النكاح الثاني، ولا رضيت به، ولو علمت أنها قد مَلَكت نفسها وبانت منه فلعلها لا ترغب في نكاحه، فليس له أن يَخدَعها على نفسها ويجعلها له زوجة (٤) بغير رضاها.

[الاعتراض بجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جد النكاح كهزله]

فإن قيل: إن النبي (٥) -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جعل جِدَّ النكاح كهْزله (٦)، وغاية هذا أنه هازل.

قيل: هذا ليس بصحيح، وليس هذا كالهازل؛ فإن الهازل لم يظهر أمرًا يريد خلافه، بل تكلم باللفظ قاصدًا [أنه لا] (٧) يلزمه موجبه، وذلك ليس إليه، بل إلى الشارع، وأما هذا فماكرٌ مخادعٌ للمرأة على نفسها، مظهر أنها زوجته وأن الزوجية بينهما باقية وهي أجنبية محضة؛ فهو يمكر (٨) بها ويخادعها بإظهار أنها زوجته وهي في الباطن أجنبية؛ فهو كمن يمكر برجل ويخادعه على أخذ ماله بإظهار أنه يحفظه له ويَصُونه ممن يذهب به، بل هذا أفحشُ؛ لأن حرمة البُضْع أعظم من حرمة المال، والمخادعة عليه (٩) أعظم من المخادعة على المال، [واللَّه أعلم] (١٠).


(١) في (ك) و (ق): "أني".
(٢) في (ك): "الولي والشهود".
(٣) في (ك) و (ق): "ردها" وكتب الناسخ في هامش (ق): "ظاهر "إغاثة اللهفان" خلاف قوله هنا".
(٤) في (ك) و (ق): "زوجة له".
(٥) في (ك): "فالنبي"، وفي (ق): "فإن النبي".
(٦) تقدم تخريجه.
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "ألا".
(٨) في (ق): "يماكر".
(٩) في (ن) و (ق): "والمخادعة فيه".
(١٠) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>