للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمسبباتها شرعًا على وزان الأسباب الحِسِّية في اقتضائها لمسبباتها قدرًا؛ فهذا شرع الرب تعالى وذلك قدره، وهما خلقه وأمره، واللَّه له الخلق والأمر، ولا تبديل لخلق اللَّه، ولا تغيير لحكمه، فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامها بل يُجْريها على أسبابها (١) وما خُلِقت له؛ فهكذا الأسباب الشرعية لا يُخْرجها عن سببها وما شرعت له، بل هذه سنته شرعًا وأمرًا (٢)، وتلك سنته قضاءً وقدرًا وسنته الأمرية قد تبدل وتتغير كما يُعْصَى أمره ويخالف، وأما سنته القدرية {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٣]، كما لا يُعصى أمره الكوني القدري.

ويدخل في هذا القسم التحيل على جلب المنافع و [على] (٣) دفع المضار، وقد ألهم اللَّه تعالى ذلك لكل حيوان، فلأنواع الحيوانات من أنواع الحيل والمكر ما لا يهتدي إليه بنو آدم.

وليس كلامنا ولا كلام السلف في ذم الحيل متناولًا لهذا القسم، بل العاجز مَنْ عجز عنه، والكَيَّسُ من كان به أفْطَنَ وعليه أقْدَرَ، ولا سيما في الحرب فإنها خدعة (٤) والعجز كل العجز في ترك هذه الحيلة، والإنسان مندوب إلى الاستعاذة (٥) باللَّه تعالى من العجز والكسل؛ فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة، والكسل عدم الإرادة لفعلها؛ فالعاجز لا يستطيع الحيلة، والكسلان لا يريدها، ومن لم يَحْتَلْ وقد أمكنته هذه الحيلة أضاع فرصته وفَرَّطَ في مصالحه، كما قال (٦):

إذا المرء لم يَحْتَلْ وقد جَدَّ جِدَّه ... أضاع، وقَاسَى أمَرُه، وَهْوَ مُدْبِرُ

وفي هذا قال بعض السلف: الأمرُ أمران: أمرٌ فيه حيلة فلا يعجز عنه (٧)، وأمر لا حيلة فيه فلا يجزع منه (٨).


(١) في (ق): "سببها".
(٢) في (ك) و (ق): "أمرًا وشرعًا".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) "بفتح الخاء وضمِّها، بوزن همزة" (و).
(٥) في المطبوع: "استعاذته".
(٦) القائل هو تأبط شرًا، والمذكور من قصيدة طويلة له، انظرها وروايتها في "الاختيارين" (٢٩٥) للأخفش الصغير، و"شرح الحماسة" للتبريزي (١/ ٨٢)، و"شرح شواهد المغني" (٣٣٠)، و"خزانة الأدب" (٣/ ٥٤٢).
(٧) في (ن) و (ق): "فلا تعجز عنه"
(٨) في (ن): "فلا تخرج منه"، وفي (ق): "فلا تجزع منه".

<<  <  ج: ص:  >  >>