للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحلف لها، أو يسمع لها بينة. قالوا: وكل دعوى ينفيها (١) العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.

وهذا المذهب هو الذي نَدينُ اللَّه به، ولا يليق بهذه الشريعة الكاملة سواه، وكيف يليق بالشريعة أن تسمع مثلَ هذه الدعوى التي قد علم اللَّه وملائكته والناس أنها كذب وزور؟ وكيف تَدَّعي المرأة أنها أقامت مع الزوج ستين سنة أو أكثر لم ينفق عليها فيها يومًا واحدًا ولا كساها فيها ثوبًا، ويقبل قولها عليه، ويُلزم بذلك كله؟ ويقال: الأصل معها! وكيف يعتمد على أصل يكذّبه العرف والعادة والظاهر الذي بلغ في القوة إلى حد القطع؟ والمسائل التي يقدَّمُ فيها الظاهر القوي على الأصل أكثر من أن تحصى (٢)، ومثل هذا المذهب في القوة مذهب أبي حنيفة، وهو سقوطها بمضي الزمان؛ فإن البيّنة قد قامت بدونها؛ فهي كحق المبيت والوطء.

ولا يعرف أحد من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع أنهم أئمة الناس في الورع والتخلص من الحقوق والمظالم- قضى لامرأة بنفقة ماضية، أو استحلّ امرأة منها، ولا أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك امرأة واحدة منهن، ولا قال لها: ما مضى من النفقة حق لك عند الزوج؛ [فإنْ شئتِ فطالبيهِ (٣)، وإنْ شئتِ حللتيه (٤)، وقد] (٥) كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يتعذَّر عليه نفقة أهله أيامًا حتى سألنه إياها (٦)، ولم يقل لهن (٧): هي باقية في ذمتي حتى يوسِّع اللَّه وأقضيكنَّ، ولما وَّسع اللَّه عليه لم يقض لامرأة منهن ذلك، ولا قال لها: هذا عِوَض عمَّا فاتك من الإنفاق، ولا سمع الصحابة رضي اللَّه عنهم لهذه المسألة خبرًا؛ وقول عمر -رضي اللَّه عنه- للغياب: "إما أن تطلِّقوا وإما أن تَبْعثوا بنفقة ما مضى" (٨) في


(١) في (ن) و (ق): "يلغيها".
(٢) انظر كثيرًا منها في "قواعد ابن رجب" (١/ ١١٧ - بتحقيقي).
(٣) في (ك): "تطالبيه".
(٤) في (ك): "تحالليه".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) رواه مسلم في "صحيحه" (١٤٧٨) في (الطلاق): باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية، من حديث أبي الزبير عن جابر.
(٧) في (ك): "ليس".
(٨) رواه الشافعي في "مسنده" (٢/ ٦٥)، ومن طريقه البيهقي (٧/ ٤٦٩) عن مسلم بن خالد عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلّقوا فإنْ طلّقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
ورجاله ثقات غير مسلم بن خالد، وهو الزنجي أحد الضعفاء، ومع هذا فقد جوّده ابن كثير في "مسند الفاروق" (١/ ٤٣٨)!! =

<<  <  ج: ص:  >  >>