كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

الحجة الثالثة: أن الضامن في الأصل لم يوضع لتعدد محل الحق كما لم يوضع لنقله، وإنما وضع ليحفظ صاحب الحق حقه من التّوَى (١) والهلاك، ويكون له محل يرجع إليه عند تعذر الاستيفاء من محله الأصلي، ولم ينصب الضامن نفسه لأن يطالبه المضمون له مع وجود الأصيل ويُسْرَته والتمكن [من مطالبته] (٢). والناسُ يستقبحون هذا، ويعدون فاعله متعديًا، ولا يعذرونه بالمطالبة، حتى إذا تعذر عليه مطالبة الأصيل عذروه بمطالبة الضامن وكانوا عَوْنًا له عليه، وهذا أمر مستقر في فطر الناس ومعاملاتهم بحيث لو طالب الضامن والمضمون عنه إلى جانبه والدراهم في كمه وهو متمكن من مطالبته لاستقبحوا ذلك غاية الاستقباح. وهذا القول في القوة كما ترى، وهو رواية ابن القاسم في الكتاب عن مالك (٣). ولا ينافي هذا قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الزعيم غارم" (٤) فإنه لا عموم له، ولا يدل على

(١) "التوى: [هو] الهلاك، [فالعطف في كلام المؤلف للتفسير]، كذا في (ط)، و (د)، وما بين المعقوفتين من (د)، وانظر: "لسان العرب" (١/ ٤٥٨ - دار المعارف).
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "منه".
(٣) "المدونة" (٥/ ٢٦٢)، "عقد الجواهر" (٢/ ٦٦٣).
(٤) رواه أحمد (٥/ ٢٦٧)، وعبد الرزاق (١٤٧٩٦ و ١٦٣٠٨)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٦/ ١٥٤)، وسعيد بن منصور في "سننه" (٤٢٧)، والطيالسي (١١٢٨)، وأبو داود (٣٥٦٥) في (البيوع والإجارات)، باب ما جاء في تضمين العارية، والترمذي (١٢٦٥) في (البيوع): باب ما جاء في أن العارية مؤداة، و (٢١٢٠) في (الوصايا): باب ما جاء لا وصية لوراث، وابن ماجه (٢٣٩٨) في (الصدقات): باب العارية، وابن الجارود في "المنتقى" (١٠٢٣)، والطبراني في "الكبير" (٧٦١٥ و ٧٦٢١)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٥٠)، وابن عدي (١/ ٢٩٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٧٢ و ٨٨)، والدارقطني (٣/ ٤١) من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: فذكره، وفيه زيادة.
وقال الترمذي: "حديث حسن"، وفي الموطن الثاني: حسن صحيح.
أقول: إسماعيل بن عياش صحيح الرواية عن الشاميين، وهذه منها، وشرحبيل هذا فيه لين، فهو حسن الحديث.
وله شاهد؛ رواه أحمد (٥/ ٢٩٣) من طريق ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (في المطبوع: عن جابر) عن سعيد بن أبي سعيد عمن سمع النبي -عليه السلام-.
وهذا إسناد رجاله ثقات، كما قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٤/ ١٤٥). ثم تبيَّن في أن سعيد هذا هو الساحلي، وهو غير محتج به، كما في "تحفة الأشراف" (١/ ٢٢٥) و"التهذيب" (٤/ ٣٩ - ٤٠)، و"إتحاف المهرة" (٢/ ٢٢).
لكن رواه الدارقطني (٤/ ٧٠) والبيهقي (٦/ ٢٦٤) من طريق عمر (وفي مطبوع "سنن الدارقطني": "عمرو، والتصويب من المخطوط و"إتحاف المهرة" (٢/ ٢٢)) بن عبد الواحد =