للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخنا (١)، وهو الصواب المقطوع به فإن في المنع من بيع ذلك حتى يقلع أعظم الضرر والحرج والمشقة مع ما فيه من الفساد الذي لا تأتي به شريعة، فإنه إن قلعه كله في وقت واحد تعرَّض للتلف والفساد.

وإن قيل: "كما أردت بيع شيء منه فاقلعه" كان فيه من الحرج والعُسْر ما هو معلوم. وإن قيل: "اتركه في الأرض [حتى] (٢) يفسد ولا تبعه فيها" فهذا لا تأتي به شريعة، وبالجملة فالمفتون بهذا القول لو بُلوا بذلك في حقولهم (٣) أو ما هو وقف عليهم ونحو ذلك لم يمكنهم إلا بيعه في الأرض ولا بد، أو إتلافه وعدم الانتفاع به، وقول القائل: "إن هذا غرر ومجهول" فهذا ليس حظّ الفقيه ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك، فإن عَدُّوه قمارًا أو غررًا فهم أعلم بذلك، وإنما حظُ الفقيه: يحل كذا لأن اللَّه أباحه ويحرم كذا لأن اللَّه حرمه وقال اللَّه تعالى وقال رسوله وقال الصحابة، وأما أن يرى هذا (٤) خطرًا وقمارًا أو غررًا فليس من شانه بل أربابه أخبر بهذا منه، والمرجع إليهم فيه، كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيبًا أم لا، وكون هذا البيع (٥) مربحًا أم لا، وكون هذه السلعة نافقة في وقف كذا وبلد كذا (٦)، ونحو ذلك من الأوصاف الحسية والأمور العرفية، فالفقهاء بالنسبة إليهم فيها مثلهم بالنسبة إلى ما في (٧) الأحكام الشرعية.

فإن بليت بمن يقول: هكذا في الكتاب، وهكذا قالوا؛ فالحيلة في الجواز أن تستأجر منه الأرض المشغولة بذلك مدة يعلم فراغه منها، ويقر له إقرارًا مشهودًا [له] (٨) به أن ما في باطن الأرض [له] (٩) لا حق للمؤجِّر فيه، ولكن عكس هذه الحيلة (١٠) لو أصابته آفة لم يتمكن من وضع الجائحة عنه، بخلاف ما إذا اشتراه بعد بدوّ صلاحه فإنه كالثمرة على رؤوس الشجر إن (١١) أصابته آفة وضعت عنه الجائحة، وهذا هو الصواب في المسألتين: جواز بيعه، ووضع الجوائح فيه، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (٢٩/ ٣٦ - ٣٧، ٨٥، ٤٨٤، ٤٨٥، ٤٨٩). "الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية" (٢/ ٩٨٧، ٩٩٣).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في نسخة: "في حقوقهم" (د).
(٤) في (ك) و (ق): "وأما أن هذا يرى" وفى هامش (ق): "لعله. وأما أن يرى هذا خطرًا".
(٥) في (ق): "المبيع".
(٦) في (ن) و (ق): "في وقت كذا وبكذا وكذا".
(٧) في (ن): "إلى مثلها في"، وفي (ق): "إليهم في".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(١٠) في هامش (ق): "لعله: علة".
(١١) في (ق): "فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>