للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريكه قد صار صاحب الأصل (١) هاهنا، فلو رجع عليه لرجع هو عليه، فمن حيث يثبت يسقط، فلا معنى للرجوع عليه.

[[تحيل المظلوم على مسبة الناس للظالم]]

المثال الخامس (٢) والثمانون: لا بأس للمظلوم أن يتحيل على مسبة الناس لظالمه والدعاء عليه والأخذ من عرضه، كان لم يفعل ذلك بنفسه؛ إذ لعل ذلك يردعه ويمنعه من الإقامة على ظلمه، وهذا كما لو أخذ ماله فلبس أرثَّ الثياب بعد أحسنها، وأظهر البكاء والنَّحيب والتأوه، أو اذاه في جواره فخرج من داره وطرح متاعه على الطريق، أو أخذ دابته فطرح حمله على الطريق وجلس يبكي، ونحو ذلك، فكل هذا مما يدعو الناس إلى لعن الظالم له وسبه والدعاء عليه، وقد أرشد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المظلوم بأذى جاره له إلى نحو ذلك، ففي (٣) "السنن" و"مسند الإمام أحمد" من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- "أن رجلًا شكا إلى النبي (٤) -صلى اللَّه عليه وسلم- من جاره، فقال: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثًا، فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق، فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه: "فَعَلَ اللَّه به وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئًا تكرهه" (٥) [هذا لفظ أبي داود] (٦).

[[من لطائف حيل أبي حنيفة]]

المثال السادس (٧) والثمانون: ما ذكر في "مناقب أبي حنيفة رحمه اللَّه تعالى" أن رجلًا أتاه بالليل فقال: أَدْرِكني قبل الفجر وإلا طلقت امرأتي، فقال: وما ذاك؟ قال: تركت الليلة كلامي، فقلت لها: إن طلع الفجر ولم تكلميني فأنت طالق ثلاثًا، وقد توسلَّت إليها بكل أمران تكلمني فلم تفعل، فقال [له] (٨): اذهب فمر مؤذن المسجد أن ينزل فيؤذن قبل الفجر، فلعلها إذا سمعته أن تكلمك، واذهب إليها وناشدها أن تكلمك قبل أن يؤذن المؤذن، ففعل الرجل،


(١) في (ق): "صاحب الأصيل"، ولعل الصواب ما أثبته.
(٢) في (ك) و (ق): "الثالث".
(٣) في (ق): "وفي".
(٤) في (ك): "رسول اللَّه".
(٥) سبق تخريجه مطولًا.
(٦) بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "لفظ أبي داود"، وفي (ق): "لفظه لأبي داود".
(٧) في (ك) و (ق): "الرابع".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط عن (ق) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>