للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجارة، قال: لأن المستأجر يدفع ماله وقد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل، فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر، إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل، بخلاف المشاركة؛ فإن الشريكين في الفوز وعدمه (١) على السواء، إن رزق اللَّه الفائدة كانت بينهما، وإن منعها استويا في الحرمان وهذا غاية العدل؛ فلا تأتي الشريعة بحل الإجارة وتحريم هذه المشاركات، وقد أقر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المضاربة على ما كانت عليه قبل الإسلام، فضارب (٢) أصحابه في حياته وبعد موته، وأجمعت عليها الأمة (٣)، ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويعمرونها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع (٤)، وهذا كأنه رأي عين، [ثم] (٥) لم ينسخه ولم ينه عنه ولا امتنع منه خلفاؤه الراشدون وأصحابه بعده، بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم وأموالهم يدفعونها إلى من يقوم عليها بجزء مما يخرج منها، وهم مشغولون بالجهاد وغيره، ولم ينقل عن رجل واحد منهم المنع إلا فيما منع منه النبي (٦) -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو ما قال الليث بن سعد: إذا نظر ذو البصر بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز، ولو لم تأت هذه النصوص والآثار فلا حرام إلا ما حرمه اللَّه ورسوله، واللَّه ورسوله لم يحرم شيئًا من ذلك، وكثير من الفقهاء يمنعون [من] (٧) ذلك، فإذا بلي الرجل بمن يحتج [في التحريم] (٨) بأنه هكذا في الكتاب وهكذا قالوا، ولا بد له من فعل ذلك، إذ لا تقوم مصلحة الأمة إلا به، فله أن يحتال على ذلك بكل حيلة تؤدي إليه (٩)، فإنها حيل تؤدي إلى فعل ما أباحه اللَّه ورسوله ولم يحرمه على الأمة، وقد تقدم ذكر الحيلة على جواز المساقاة والمزارعة، ونظيرها في الاحتيال على المغارسة أن يؤجّره الأرض يغرس فيها ما شاء من الأشجار لمدة (١٠) كذا وكذا سنة بخدمتها وغرس كذا وكذا من الأشجار فيها، فإن


(١) في (ك): "وعدمها".
(٢) في (ق) و (ك): "وضارب".
(٣) انظر هذا الإجماع في: "الإجماع" لابن المنذر (ص ٥٨)، و"المغني"، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (٦/ ٤٢٠)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٢٣٣)، و"نيل الأوطار" (٥/ ٢٦٧ - ٢٦٨ - الحيل).
(٤) رواه البخاري (٢٢٨٥) في (الإجارة): باب إذا استاجر أرضًا فمات أحدهما -وانظر أطرافه هناك-، ومسلم (٣/ ١١٨٦) (١٥٥١) في (أول كتاب المساقاة): من حديث ابن عمر.
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في (ق) و (ك): "رسول اللَّه".
(٧) ما بين المعقوفتين من (ق) فقط.
(٨) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "بالتحريم".
(٩) في (ق) و (ك): "تؤديه إليه".
(١٠) في (ق): "والمدة".

<<  <  ج: ص:  >  >>