للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقًا آخر، والسلف كانوا يسمون مثل هذا مضطهدًا، كما قال (١) حماد بن سلمة: حدثنا حميد، عن الحسن أن رجلًا تزوج امرأة وأراد (٢) سفرًا، فأخذه أهلها، فجعلها طالقًا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء، [فلما قدم خاصموه] (٣) إلى علي -رضي اللَّه عنه- (٤) فقال: اضطهدتموه حتى جعلها طالقًا، فردها عليه (٥).

ومعلوم أنه لم يكن هناك إكراه بضرب ولا أخذ مال، وإنما طالبوه بما يجب [لها] (٦) عليه من نفقتها، وذلك ليس بإكراه، ولكن لما تعنتوه باليمين جعله مضطهدًا لأنه عقد اليمين ليتوصل إلى قصده من السفر، فلم يكن حلفه عن اختيار (٧)، بل هو كالمحمول عليه.

[[الفرق بين المضطهد والمكره]]

والفرق بينه وبين المكره أن المكره قاصد لدفع الضرر (٨) باحتمال ما أكره عليه، وهذا قاصد للوصول إلى حقه بالتزام ما طلب منه، وكلاهما غير راض، ولا مؤثر (٩) لما التزمه، وليس له وَطَر فيه.

فتأمل هذا، ونزله على قواعد الشرع ومقاصده، وهذا ظاهر جدًّا في أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- (١٠) لم يكن يرى الحلف بالطلاق موقعًا للطلاق إذا حنث به، وهو قول شُرَيْح وطاوس وعكرمة وأهل الظاهر وأبي عبد الرحمن الشافعي (١١) وهو أجل أصحابه على الإطلاق، قال بعض الحفاظ: ولا يعلم لعلي مخالف من الصحابة (١٢)، وسيأتي الكلام في المسألة، إن شاء اللَّه تعالى، إذ المقصود أن من أقرَّ أو حلف أو وهب أو صالح لا عن رضا منه، ولكن منع حقه إلا بذلك، فهو


(١) في (ق) و (ك): "قاله".
(٢) في (ق): "فأراد".
(٣) في (ق): "فخاصموه".
(٤) في المطبوع: "إلى أمير المؤمنين علي كرم اللَّه وجهه".
(٥) علقه ابن حزم في "المحلى" (١٠/ ٢١٢) عن حماد بن سلمة به، ومضى تخريجه.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٧) في (ق): "من اختيار".
(٨) في (ق): "لرفع الضرر".
(٩) في المطبوع: "ولا مؤثرًا".
(١٠) الكلام في "المحلى" (١٠/ ٢١٣) وفي المطبوع: "أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه".
(١١) نقل ابن حزم في "المحلى" (١٠/ ٢١٣) المذكور عنهم.
(١٢) في (ق): "لا نعلم لعلي مخالفًا من الصحابة".

<<  <  ج: ص:  >  >>