للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل [حكم: أنت طالق إلا أن يشاء اللَّه]

فإن قال: "أنت طالق إلا أن يشاء اللَّه" فاختلف الذين يصححون الاستثناء في قوله: "أنت طالق إن شاء اللَّه" هاهنا: هل ينفعه الاستثناء ويمنع وقوع الطلاق أو لا ينفعه؟ على قولين، وهما وجهان لأصحاب الشافعي، والصحيح عندهم أنه لا ينفعه الاستثناء ويقع الطلاق، والثاني ينفعه [الاستثناء] (١)، ولا تطلق، وهو قول أصحاب أبي حنيفة، والذين لم يصححوا الاستثناء احتجوا بأنه أوقع الطلاق وعلَّق رفعه بمشيئة لم تعلم (٢)، إذ المعنى قد وقع عليك الطلاق إلا أن يشاء اللَّه رفعه وهذا يقتضي وقوعًا منجزًا ورفعًا معلقًا بالشرط، والذين صححوا الاستثناء قولهم أفقه، فإنه لم يوقع طلاقًا (٣) منجَّزًا، وإنما وقع طلاقًا معلقًا على المشيئة، فإن معنى كلامه: أنت طالق إن (٤) شاء اللَّه طلاقك، فإن شاء عدمه لم تطلقي، بل لا تطلقين إلا بمشيئته، فهو داخل في الاستثناء من قوله: إن شاء اللَّه، فإنه جعل مشيئة اللَّه لطلاقها شرطًا فيه، وهاهنا (٥) أضاف إلى ذلك جَعْلَه عدم مشيئته مانعًا من طلاقها.

[[تحقيق المسألة]]

والتحقيق أن كل واحد من الأمرين يستلزم الآخر، فقوله: "إن شاء اللَّه" يدل على الوقوع عند وجود المشيئة صريحًا، وعلى انتفاع الوقوع عند انتفائها لزومًا، وقوله: "إلا أن يشاء اللَّه" يدلل على عدم الوقوع عند عدم المشيئة صريحًا، وعلى الوقوع عندها لزومًا، فتأمله، فالصورتان سواء كما سوَّى بينهما أصحاب أبي حنيفة وغيرهم من الشافعية. وقولهم: "إنه أوقع الطلاق وعلَّق رفعه بمشيئة لم تعلم" (٦) فهذا بعينه يحتج به عليهم من قال: إن الاستثناء لا ينفع في الإيقاع بحال، فإن صحت هذه الحجة بطل الاستثناء في الإيقاع جملة، وإن لم يصح لم يصح الفرق وهو لم يوقعه مطلقًا، وإنما علقه بالمشيئة نفيًا وإثباتًا كما قررناه (٧)، فالطلاق مع الاستثناء ليس بإيقاع.


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) قال (د): "في نسخة: "بمشيئة لم تعلق: "تحريف"".
(٣) في (ق): "الطلاق".
(٤) في (ك): "إذا".
(٥) في (ك): "وهنا".
(٦) في (ق): "لا تعلم"
(٧) في (ق): "كما قررنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>