للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قول الأوزاعي (١) كما سنذكره، وأوسع منه من وجه قَوْل من لا يشترط النية بحال، كما صرَّح به أصحاب أبي حنيفة، قال (٢) صاحب "الذخيرة" في (كتاب الطلاق) في الفصل السادس عشر منه: ولو قال لها: "أنت طالق إن شاء اللَّه"، ولا يدري أيّ شيء شاء اللَّه لا يقع الطلاق؛ [لأن الطلاق مع الاستثناء ليس بإيقاع، فعِلْمه وجهله يكون سواء، ولو قال لها: "أنت طالق"] (٣) فجرى على لسانه من غير قَصْد: "إن شاء اللَّه"، وكان قَصْدهُ إيقاع الطلاق لا يقع الطلاق؛ لأن الاستثناء قد وجد حقيقة، والكلام مع الاستثناء لا يكون إيقاعًا"، وقال الجوزجاني في "مترجمه": حدثني صفوان: ثنا عمر (٤) قال: سُئل الأوزاعي رحمه اللَّه عن رجل حلف: واللَّه لأفعلنَّ كذا وكذا ثم سكت ساعةً لا يتكلم ولا يحدث (٥) نفسه بالاستثناء، فيقول له إنسان إلى جانبه: قل: إن شاء اللَّه، فقال: إن شاء اللَّه، أيكفِّرُ عن يمينه؟ فقال: أراه قد استثنى.

وبهذا الإسناد عن الأوزاعي أنه سُئل عن رجل وصله قريبُه بدراهم فقال: واللَّه لا آخذها فقال قريبه: واللَّه لتأخذها فلما سمعه قال: "واللَّه لتأخذها" استثنى في نفسه فقال: إن شاء اللَّه، وليس بين قوله: واللَّه لا آخذها وبين قوله: إن شاء اللَّه كلامٌ إلا انتظاره ما يقول قريبه، أيكفِّر [عن] (٦) يمينه إن هو أخذها؟ فقال: لم يحنث؛ لأنه قد استثنى.

ولا ريب أن هذا أفقه وأصح من قول من اشترط نيته مع الشروع في اليمين؛ فإن هذا القول موافق للسنة الصحيحة فعلًا عن (٧) النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحكايةً عن أخيه سليمان -عليه السلام- أنه [لو] (٣) قال: "إن شاء اللَّه" بعدما حلف، وذكره المَلَك كان نافعًا له (٨)، وموافقًا للقياس ومصالح العباد، ومقتضى الحنيفية السَّمْحَة، ولو اعتبر ما ذكر من اشتراط النية في أول الكلام والاتصال الشديد؛ لزالت رخصة الاستثناء، وقلَّ من انتفع بها إلا مَنْ قد درس على هذا القول وجعله منه على بال.

وقد ضيَّق بعض المالكية في ذلك فقال: لا يكون الاستثناء نافعًا إلا وقد


(١) انظر: "فقه الإمام الأوزاعي" (١/ ٤٨٨).
(٢) في المطبوع: "وقال".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) وهو في "الذخيرة" (ق ١٠٤/ ب).
(٤) في (ك): "عمير".
(٥) في (ق): "ويحدث"، وقال في الهامش: "لعله: ولا يحدث".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(٧) في (ك) و (ق): "من".
(٨) سبق تخريجه قريبًا، وفي (ق): "كان نافعًا وموافق للقياس"!.

<<  <  ج: ص:  >  >>