للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوضحه (١) أنه إنما عقد يمينه على فعل ما يملكه، والنسيان والجهل والخطأ والإكراه غير داخل تحت قدرته، فما فعله (٢) في تلك الأحوال لم يتناوله يمينه، ولم يقصد منع نفسه منه.

يوضحه أن اللَّه تعالى قد رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي والمكره، فإلزامه بالحنث أعظم مؤاخذة لما (٣) تجاوز اللَّه عن المؤاخذة به، كما أنه تعالى لما تجاوز للأمة عمَّا حدثت به أنفسها لم تتعلق به المؤاخذة في الأحكام.

يوضحه أن فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به، ولهذا هو عفو لا يكون به مُطيعًا ولا عاصيًا.

يوضحه أن اللَّه تعالى إنما رتَّب الأحكام في الألفاظ لدلالتها على قصد المتكلِّم بها وإرادته، فإذا تيقَّنا أنه قصد كلامها ولم يقصد معانيها ولم يقصد مخالفة ما التزمه، ولا الحنث؛ فإن الشارع لا يلزمه بما لم يقصده، بل قد رفع المؤاخذة عنه بما لم يقصده من ذلك.

يوضحه أن اللفظ دليل على القصد، فاعتبر لدلالته عليه، فإذا علمنا يقينًا خلاف المدلول لم يجز أن نجعله (٤) دليلًا على ما تيقنّا خلافه، وقد رفع اللَّه سبحانه المؤاخذة عمن (٥) قتل المسلم المعصوم بيده مباشرة إذا لم يقصد قتله بل قتله خطأً ولم يلزمه شيئًا من ديته، بل حمَّلها غيره، فكيف يؤاخذه بالخطأ والنسيان في باب الأيمان؟ هذا من الممتنع على الشارع.

وقد رفع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- المؤاخذة عمن أكل وشرب (٦) في نهار رمضان ناسيًا لصومه (٧)، مع أن أكله وشربه فعل لا يمكن تداركه (٨)، فكيف يؤاخذه بفعل


(١) في المطبوع: "ويوضحه".
(٢) في (ق): "فما فعل".
(٣) في هامش (ق): "لعله: بما".
(٤) في (ق): "نفعله"، وقال في الهامش: "لعله: نجعله".
(٥) في المطبوع و (ك): "عن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٦) في (ق): "أو شرب".
(٧) رواه البخاري (١٩٣٣) في (الصوم): باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، و (٦٦٦٩) في (الأيمان والنذور): باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم (١١٥٥) في (الصيام): باب أكل الناسي وضربه وجماعه لا يفطر، من حديث أبي هريرة.
(٨) بيَّن المصنف أن الأكل والشرب نسيانًا لا يفطر، وبين أنه على وفق القياس في "زاد المعاد" (١/ ١٦٢)، و"تهذيب السنن" (٣/ ٢٣٧ - ٢٣٩) مهم، و (٣/ ٢٧٦ - ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>