للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبر سبحانه (١) أنه اجتباهم، والاجتباء كالاصطفاء. وهو افتعال من "اجتبى الشيء يجتبيه" (٢) إذا ضمَّه إليه وحازه إلى نفسه (٣) فهم المجتبون الذين اجتباهم اللَّه إليه وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين، ولهذا أمرهم سبحانه (١) أن يجاهدوا فيه حق جهاده، فيبذلوا له أنفسهم، ويفردوه بالمحبة والعبودية، ويختاروه وحده إلهًا معبودًا محبوبًا على كل ما سواه كما اختارهم على من سواهم، فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم (٤)، فيؤثرونه في كل حال على من سواه، كما اتخذهم عبيده وأولياءه، وأحباءه وآثرهم بذلك على مَنْ سواهم، ثم أخبرهم سبحانه (٥) أنه يسَّر عليهم دينهم (٦) غاية التيسير، ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتَّة لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم، ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم، وهي إفراده سبحانه (١) وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرَّجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام (٧)؛ فيكون تعلّق (٨) ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره (٩)، ثم أخبر تعالى أنه نوَّه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم وسمَّاهم عباده المسلمين قبل أن يُظهرهم، ثم نوَّه بهم وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناءً بهم ورفعة لشأنهم وإعلاءً لقدرهم، ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك (١٠) ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس؛ فيكونون مشهودًا لهم (١١) بشهادة الرسول شاهدين على الأمم بقيام حجج (١٢) اللَّه عليهم، فكان هذا التنويه وإشارة الذكر لهذين الأمرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين، والمقصود أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده تعالى (١٣) فمن المحال أن يُحرمهم كلهم الصواب


(١) في المطبوع: "تعالى".
(٢) في (ق): "جبى بالشيء يجبيه".
(٣) قال الزمخشري -رحمه اللَّه- في "أساس البلاغة" (ص ٨٢ - ط دار صادر): (اجتباه: اختاره، مستعار منه، لأن من جمع شيئًا لنفسه فقد اختصه واصطفاه".
وفي "لسان العرب" (١٤/ ١٣٠ - دار الفكر): "اجتباه: اصطفاه" اهـ، وانظر: "المفردات" للراغب (ص ١٨٦ - دار القلم).
(٤) سقط من (ك) و (ق).
(٥) في المطبوع: "تعالى".
(٦) في المطبوع و (ك): "دينه".
(٧) في (ق): "والاستسلام والتفويض".
(٨) في (ك): "تعليق".
(٩) في (ك): "بغيرهم".
(١٠) في (ق): "فعل بهم ذلك".
(١١) في (ق): "فيكونوا شهودًا لهم".
(١٢) في (ق): "حجة".
(١٣) في (ق): "أنهم كانوا بهذه المنزلة عنده سبحانه".

<<  <  ج: ص:  >  >>