للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن مفتيين اختلفا [في جواب] (١) فكتب تحت جوابهما: جوابي (٢) مثل جواب الشيخين، فقيل له: إنهما قد تناقضا فقال: وأنا أتناقض كما تناقضا. وكان في زماننا رجل مشار (٣) إليه بالفتوى، وهو مقدَّم في مذهبه، وكان نائب السلطان يرسل إليه في الفتاوى فيكتب يجوز كذا أو يصح كذا (٤)، أو ينعقد بشرطه فأرسل إليه يقول [له] (١): تأتينا فتاوى [منك] (١) فيها يجوز أو ينعقد أو يصح بشرطه، ونحن لا نعلم شرطه، فإما أن تبيّن شرطه، وأما أن لا تكتب ذلك.

وسمعت شيخنا يقول: كلُّ أحد يحسن أن يفتي بهذا الشرط، فإن (٥) أي مسألة وردت عليه يكتب فيها يجوز بشرطه أو يصح بشرطه أو يقبل (٦) بشرطه ونحو ذلك، وهذا ليس بعلم، ولا يفيد فائدة أصلًا سوى حيرة السائل وتنكده (٧)، وكذلك قول بعضهم في فتاويه: يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم، فيا سبحان اللَّه! واللَّه لو كان الحاكم شُريحًا وأشباهه لما كان مردُّ أحكام اللَّه ورسوله إلى رأيه، فضلًا عن حُكَّام زماننا، فاللَّه المستعان. وسئل بعضهم (٨) عن مسألة فقال: فيها خلاف، فقيل له: كيف يعمل المفتي؟ فقال: يختار له [القاضي] (٩) أحد المذهبين.

قال أبو عمرو بن الصلاح (١٠): كنت عند أبي السعادات ابن الأثير الجزري، فحكي له (١١) عن بعض المفتين أنَّه سُئل عن مسألة فقال: فيها قولان، فأخذ يزري عليه، وقال (١٢): هذا حيدٌ عن الفتوى، ولم يخلِّص السائل من


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ق).
(٢) أشار في هامش (ق): إلى أنه في نسخة: "جواب".
(٣) في (ق): "يشار".
(٤) في (ق): "ويصح كذا".
(٥) في (ق) و (ك): "فإنه".
(٦) في (ق) و (ك): "أو ينعقد".
(٧) في المطبوع و (ك): "وتبلده"، وأشار (د) في الحاشية إلى ما أثبتاه من (ق).
(٨) هو أبو حامد محمد بن يونس الإربلي، أفاده ابن الصلاح في "آدب المفتي والمستفتي" (ص ١٣٣).
(٩) ما بين المعقوفتين من (ت).
(١٠) في كتابه "أدب المفتي والمستفتي" (ص ١٣٠).
(١١) في المطبوع: "فحكى لي"، وفي (ق): "يحكي" فقط.
(١٢) في "أدب المفتي والمستفتي" (ص ١٣٠) بعد النقل السابق عن ابن الأثير ما نصه: "فقال الشيخ ابن الأثير: كان الشيخ أبو القاسم بن البَزْري -وهو علامة زمانه في المذهب- إذا كان في المسألة خلاف، واستفتي عنها، يذكر الخلاف في الفُتيا، ويقال له في ذلك، فيقول: لا أتقلَّد العهدة مختارًا لأحد الرأيين، مقتصرًا عليه، وهذا حيد عن غرض الفتوى، وإذا لم يذكر شيئًا أصلًا فلم يتقلّد العهدة أيضًا، ولكنه لم يأت بالمطلوب حيث لم يخلّص السائل عن عمايته".

<<  <  ج: ص:  >  >>