للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[العلم والحلم والوقار والسكينة]]

وأما قوله: "أن يكون له حلم، ووقار وسكينة" فليس صاحب العلم والفتيا إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار، فإنها كسوة علمه وجماله، وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس، وقال (١) بعض السلف: ما قُرِنَ شيءٌ إلى شيء أحسن من علمٍ إلى حلم (٢).

والناس هاهنا أربعة أقسام فخيارهم من أوتي الحلم والعلم (٣)، وشرارهم من عدمهما، الثالث من أوتي علمًا، بلا حلم، الرابع عكسه، فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات فالحليم لا يستفزه (٤) البدوات، ولا يستخفه الذين لا يعلمون، و [لا] (٥) يقلقه أهل الطيش والخفة والجهل، بل هو وقور ثابت ذو أناة يملك نفسه عند ورود أوائل الأمور (٦) عليه، ولا تملكه أوائلها وملاحظته للعواقب تمنعه من أن (٧) تستخفه دواعي الغضب والشهوة فبالعلم تنكشف له مواقع الخير والشر والصلاح والفساد، وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره ويصبر عليه وعند الشر فيصبر عنه، فالعلم يعرفه رشده والحلم يثبته عليه، وإذا شئت أن ترى بصيرًا بالخير والشر لا صبر له على هذا ولا عن هذا رأيته (٨)، [وإذا شئت أن ترى صابرًا على المشاق لا بصيرة له رأيته] (٩)، وإذا شئت أن ترى من لا صبر له، ولا بصيرة رأيته، وإذا شئت أن ترى بصيرًا صابرًا لم تكد، فإذا رأيته، فقد رأيت إمام هدى حقًا فاستمسك بغرزه (١٠) والوقار والسكينة، ثمرة الحلم ونتيجته.


(١) في (ق) و (ك): "قال".
(٢) روى أبو خيثمة في "العلم" (رقم ٨١) عن عطاء بن يسار قال: "ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم".
وانظر: "المجالسة" (٣/ ١٦١ رقم ٧٩٨) وتعليقي عليها.
(٣) في (ق) و (ك): "العلم والحلم".
(٤) في (ك): "تستغرقه".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) والعبارة قبلهادي (ق): "يستخفه البدوان ولا يستفزه الذين لا يعلمون".
(٦) في (ت): "أوائل الأمر".
(٧) في (ق): "ملاحظة العواقب تمنعه أن".
(٨) في (ق): "عن هذا ولا على هذا رأيته".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ت)، وسقط في (ك) "رأيته" فقط.
(١٠) "أي اعتلق به، وأمسكه، واتبع قوله وفعله، ولا تخالفه، فاستعار له الغرز كالذي يمسك بركاب الراكب، ويسير بسيره، والغرز: ركاب ركوب الجمل، وقيل: هو الكور" (و).
وقال (ط): "اتبع أمره ونهيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>