للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاضربوا بقولي الحائط" (١)، وقوله: "إذا رويتُ حديثًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢) ولم أذهب إليه فاعلموا أن عقلي قد ذهب" (٣)، وغير ذلك من كلامه في هذا المعنى صريحٌ في مدلوله، وأن مذهبه ما دلَّ عليه الحديث، لا قول له غيره، ولا يجوز أن يُنسب إليه ما خالف الحديث ويقال: "هذا مذهب الشافعي" [ولا يحل الإفتاء بما خالف الحديث على أنه مذهب الشافعي] (٤)، ولا الحكم به، وصرح بذلك جماعة من أئمة أتباعه (٥)، حتى كان منهم من يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألة من كلامه: قد صح الحديث بخلافها، اضرب على هذه المسألة فليست مذهبه، وهذا هو الصواب قطعًا، ولم ينص عليه، فكيف إذا نص عليه وأبدى فيه وأعاد وصرح فيه (٦)، بألفاظ كلها صريحة في مدلولها؟ فنحن نشهد باللَّه أن مذهبه وقوله الذي لا قول له سواه ما وافق الحديث، دون ما خالفه، [وأنَّ] (٧) مَنْ نسب إليه خلافه فقد نسب إليه خلاف مذهبه، ولا سيما إذا ذكر هو ذلك الحديث وأخبر أنه إنما خالفه لضعف في سنده أو لعدم بلوغه له من وجه يَثِق به، ثم ظهر للحديث سند صحيح لا مطعن فيه وصححه أئمة الحديث من وجه لم يبلغه (٨)، فهذا لا يشك عالم ولا يماري في أنه مذهبه قطعًا، وهذا كمسألة الجوائح؛ فإنه علل حديث سفيان بن عيينة بأنه كان ربما ترك ذكر الجوائح، وقد صحَّ الحديث (٩) من غير طريق سفيان صحةً لا مرية فيها، ولا علة، ولا شبهة بوجه؛ فمذهب الشافعي (١٠) وضع الجوائح، وباللَّه التوفيق (١١).


(١) لتقي السبكي رسالة "معنى قول المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي" وقد شرح هذه الكلمة، وسبق توثيقها في موطن سابق.
(٢) في (ق): "إذا رويت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حديثًا".
(٣) مضى توثيقها.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك): "مذهبه" بدل "مذهب الشافعي".
(٥) في (ك): "التابعين".
(٦) في (ق): "وصرح به"، وفي (ك): "وصرح" فقط.
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٨) في المطبوع و (ت) و (ك): "من وجوه لم تبلغه".
(٩) سبق تخريجه.
(١٠) انظر: "الأم" (٣/ ٥٦ - ٥٩)، و"روضة الطالبين" (٣/ ٥٦٢) و"مغني المحتاج" (٢/ ٩١ - ٩٢) و"إعلاء السنن" (١٤/ ٣١)، و"الجوائح وأحكامها" (ص ١٨٦ - ١٨٨).
(١١) انظر: "تهذيب السنن" (٥/ ١١٩ - ١٢٠)، و"زاد المعاد" (٤/ ٢٧٢)، وتقدمت المسألة والكلام عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>