للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك من المذهب، وقد تقرَّرتْ المذاهبُ، ورجوعك غير مفيد، وأشار عليَّ بعض مشايخ التصوف (١) بالافتقار إلى اللَّه والتضرع إليه وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه، فماذا تشير به أنت عليَّ؟ قال: فقلت له: اجعل المذهب (٢) ثلاثة أقسام: قسمٌ الحق فيه ظاهر بيّن موافق للكتاب والسنة فاقض به وأنت به طيّب النفس منشرح الصدر، وقسم مرجوحٌ ومخالفُه معه الدليل، فلا تفت به، ولا تحكم به وادفعه عنك (٣)، [وقسم] (٤) من مسائل الاجتهاد التي الأدلة فيها متجاذبة، فإن شئت أن تفتي به، وإنْ شئتَ أن تدفعه عنك فقال: جزاك اللَّه خيرًا، أو كما قال.

وقالت طائفة [أخرى] (٥) منهم أبو عمرو بن الصلاح (٦)، وأبو عبد اللَّه بن حمدان (٧): من وجد حديثًا يخالف مذهبه، فإن كملت [آلة] (٤) الاجتهاد فيه مطلقًا أو في مذهب إمامه أو في ذلك النوع أو في تلك المسألة فالعمل بذلك الحديث أولى، وإن لم تكمل آلته (٨)، ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنده جوابًا شافيًا (٩) فلينظر: هل عمل بذلك الحديث إمام مستقل أم لا، فإن وجده فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ويكون ذلك عذرًا له في ترك مذهب إمامه في ذلك (١٠)، واللَّه أعلم.

[[إذا ترجح عند المفتي مذهب غير مذهب إمامه، فهل يفتي به؟]]

الفائدة الخمسون: هل للمفتي المنتسب إلى مذهب إمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجح عنده؟ فإن كان سالكًا سبيل ذلك الإمام في الاجتهاد ومتابعة الدليل أين كان، وهذا هو المتبع للإمام حقيقة فله أن يفتي بما ترجَّح عنده من قول غيره، وإن كان مجتهدًا متقيدًا بأقوال ذلك الإمام لا يعدوها إلى غيرها، فقد قيل: ليس له أن يفتي بغير قول إمامه (١١)، فإن أراد ذلك حكاه عن


(١) "لا تصلح لهؤلاء مشورة" (و)، وفي (ق): "الصوفية".
(٢) في (ت): "المذاهب".
(٣) في (ق): "ولا تحكم به، فادفعه عنك".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في "أدب المفتي والمستفتي" (ص ١٢١).
(٧) في "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي" (ص ٣٧، ٣٨ - بتحقيق شيخنا الألباني).
(٨) في (ق): "وإن لم تكمل له".
(٩) في (ق): "بعد أن يبحث فلم يجد لمخالفه عنه جوابًا شافيًا".
(١٠) انظر رسالة "رفع الملام" لشيخ الإسلام ابن تيمية، ففيها بسط للمقرر هنا.
(١١) في (ق): "بقول غير إمامه".

<<  <  ج: ص:  >  >>