للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطأ وصواب، ولم يتبين له أحدهما لم يكن له أن يقدم على أحدهما ولا يخيره، وكما لو استشاره في أمر فتعارض عنده الخطأ والصواب من غير ترجيح لم يكن له أن يشير بأحدهما ولا يخيره، وكما لو تعارض عنده طريقان مهلكة وموصلة، ولم يتبيَّن له طريق الصواب لم يكن له الإقدام، ولا التخيير فمسائل الحلال والحرام أولى بالتوقف، واللَّه أعلم.

[[هل للمفتي أن يفتي بالقول الذي رجع عنه إمامه؟]]

الفائدة الثانية والخمسون: أتْبَاعُ الأئمة يفتون كثيرًا بأقوالهم القديمة التي رجعوا عنها، وهذا موجود في سائر الطوائف، فالحنفية يفتون بلزوم المنذورات (١) التي مخرجها مخرج اليمين كالحج والصوم والصدقة (٢)، وقد حكوا هم عن أبي حنيفة أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير (٣)، والحنابلة يفتي كثيرٌ منهم بوقوع طلاق السكران، وقد صرَّح الإمام أحمد بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع (٤)، كما تقدم حكايته، والشافعية يفتون بالقول القديم في مسألة التثويب (٥)، وامتداد وقت المغرب (٦) ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير (٧) وعدم [استحباب] (٨) قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين (٩) وغير ذلك من المسائل وهي أكثر من عشرين مسألة (١٠)، ومن المعلوم أن القول الذي صرَّح بالرجوع عنه لم يبق مذهبًا له، فإذا أفتى المفتي به مع نصه على خلافه لرجحانه عنده، لم يخرجه ذلك عن التمذهب بمذهبه، فما الذي يحرم (١١) عليه أن يفتي بقول غيره من الأئمة الأربعة وغيرهم إذا ترجح عنده؟


(١) في (ت): "المندوبات" تحريف!
(٢) في (ق): "والصدقة والصوم".
(٣) انظر: "البناية" (٥/ ١٩٦).
(٤) مضى توثيق ذلك.
(٥) انظر: "أدب المفتي والمستفتي" (١٢٨) و"المجموع" (٣/ ٩١).
(٦) انظر: "المجموع" (٣/ ٣٧ - فما بعد).
(٧) وجوب البُعد عن النجاسة بقدر القُلَّتين هو الجديد في مذهب الشافعي، والقديم لا يوجبه، انظر: "المجموع" (١/ ١٦٠ - ١٦٦) و"روضة الطالبين" (١/ ٢٣) و"أدب المفتي والمستفتي" (١٢٩).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ت).
(٩) انظر: "المجموع" (٣/ ٣٢١) و"أدب المفتي والمستفتي" (١٢٩).
(١٠) ذكرها النووي في "مقدمة المجموع" (ص ١٠٨ - ١٠٩)، وجمعها الشيخ محمد المسعودي في كتاب مطبوع بعنوان "المعتمد".
(١١) في (ق): "حرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>