للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالفه، ولا يسعه ذلك أيضًا إذا علم أَن السائل يدور على مَنْ يفتيه بغرضه في تلك المسألة، فيجعل استفتاءه تنفيذًا لغرضه (١)، لا تعبدًا للَّه بأداء حقِّه [عليه] (٢)، ولا يسعه أَنْ يدلَّه على غرضه أين كان، بل، ولا يجب عليه أن يفتي هذا الضّربَ من الناس (٣)؛ فإنهم لا يستفتون ديانة، وإنما يستفتون توصُّلًا إلى حصول أغراضهم بأيِّ طريق وافق (٤)، فلا يجب على المفتي مساعدتهم، فإنهم لا يريدون (٥) الحقَّ، بل يريدون أغراضهم [بأي طريق وافق] (٦)، ولهذا إذا وجدوا أغراضهم في أيِّ مذهب اتفق اتَّبعوه في ذلك الموضع وتمذهبوا به، كما يفعله أَرباب الخصومات بالدعاوى عند الحكام، ولا يقصد أحدُهم حاكمًا بعينه، بل أي حاكم نفذ غرضه عنده صار إليه (٧).

وقال شيخنا [رحمه اللَّه] (٨) مرة: أنا مخيَّر بين إفتاء هؤلاء وتركهم، فإنهم لا يستفتون للدِّين (٩)، بل لوصولهم إلى أغراضهم حيث كانت، ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليَّ؛ بخلاف من يسأل عن دينه، وقد قال اللَّه تعالى لنبيه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] (٨) في حق من جاءه يتحاكم إليه لأجل غرضه لا لالتزامه لدينه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل الكتاب: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} [المائدة: ٤٢] فهؤلاء لما لم يلتزموا دينه لم (١٠) يلزمه الحكم بينهم، واللَّه [تعالي] (٧) أعلم.

[[ذكر الفتوى مع دليلها أولى]]

الفائدة الثالثة والستون: عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى (١١)


(١) في (ق): "في تلك المسائل ويجعل استفتاءه مقيد لغرضه".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(٣) عنون هنا في هامش (ق): "قف: المستفتي غير ديانة".
(٤) في المطبوع و (ك): "اتفق".
(٥) في (ك): "يدينون".
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ت) و (ك).
(٧) انظر: "أدب المفتي والمستفتي" (١٤٦ - ١٤٧) و"صفة الفتوى" (١٦٤) و"المجموع" (١/ ٨٨).
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٩) في (ق): "ديانة".
(١٠) في (ق): "فهؤلاء لم يلتزموا دينه فلم".
(١١) انظر: "أدب المفتي والمستفتي" (١١٧، ١٥١ - ١٥٢، ١٧١) و"صفة الفتوى" (٣٧، ٨٤)، و"المجموع" (١/ ٨٣، ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>