للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا العيب أولى بالمعيب (١)، بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكر كلام اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان اللَّه عليهم والقياس الصحيح عيبًا؟ وهل ذكر قول اللَّه ورسوله إلا طراز الفتاوى؟ وقول المفتي ليس بموجب للأخذ به، فإذا ذكر الدليل فقد حرم على المستفتي أَن يخالفه وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم.

وقد كان [رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسأل عن المسألة فيضرب لها الأمثال ويشبهها بنظائرها، هذا وقوله وحده حجة، فما الظن بمن ليس قوله بحجة ولا يجب الأَخذ به وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ [له] (٢) قبول قوله، وهيهات أن يسوغ بلا حجة، وقد كان] (٣) أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورضي عنهم إذا سئل أحدهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها فيقول: قال اللَّه كذا، وقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كذا (٤) أو فعل كذا (٥)، فيشفى السائل، ويبلغ القائل (٦)، وهذا كثير جدًا في فتاويهم لمن تأمَّلها، ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه وعلمه يأبى أن يتكلم بلا حجة، والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل، ثم طال الأمد وبعد العهد بالعلم وتقاصرت الهمم إلى أن صار بعضهم يجيب بنعم أو لا فقط، ولا يذكر للجواب دليلًا، ولا مأخذًا ويعترف بقصوره وفضل من يفتي بالدليل، ثم نزلنا درجة أخرى إلى أن وصلت الفتوى إلى عيب من يفتي بالدليل وذمه، ولعله أن يحدث للناس طبقة أخرى لا يُدرى (٧) ما حالهم في الفتاوى، واللَّه المستعان.

[[هل يقلد المفتي الميت إذا علم عدالته]]

الفائدة الرابعة والستون: هل يجوز للمستفتي (٨) تقليد الميت إذا علم [عدالته، و] (٣) إنه مات عليها من غير أن يسأل الحي؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد (٩) والشافعي (١٠)


(١) كذا في (ك)، وفي سائر الأصول: "بالعيب".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) ما بين المقعوفتين سقط من (ت).
(٤) في (ق): "قال رسوله كذا".
(٥) في (ق) و (ك): "وفعل كذا".
(٦) في (ق) و (ك): "فيستفتي السائل ويبلغ القائل"، وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة: "فيشفى السائل ويبلغ للقائل".
(٧) في (ت): "لا ندري".
(٨) في المطبوع: "للمفتي".
(٩) انظر: "المسودة" (٥٢٢).
(١٠) انظر: "مناهج العقول" (٣/ ٢١٠) و"أسنى المطالب" (٤/ ٢٨١) و"الآيات البينات" =

<<  <  ج: ص:  >  >>