للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسألته -صلى اللَّه عليه وسلم- عائشة -رضي اللَّه عنه- فقالت: يا رسول اللَّه دخلتَ عليَّ وأنت صائم، ثم أَكلتَ حَيْسًا (١) فقال: "نعم إنما منزلة من صام في غير رمضان أو قضاء رمضان في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة من ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل بما شاء فأمسكه" (٢)، ذكره النسائي.

ودخل -صلى اللَّه عليه وسلم- على أم هاني فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: إن كنت


(١) "الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن" (و).
(٢) رواه النسائي (٤/ ١٩٣) في (الصوم): باب النية في الصيام: أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا عاصم بن يوسف قال: حدثنا أبو الأحوص عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة (فذكره).
وهذا إسناد على شرط مسلم، رواته من الثقات المشاهير، وفي طلحة كلام يأتي الحديث عنه.
وتابع أبا الأحوص شريك.
رواه النسائي كذلك: أخبرنا أبو داود: حدثنا يزيد: أنبأنا شريك به.
لكن رواه ابن ماجه (١٧٠١) في (الصيام): باب ما جاء في الصوم: حدثنا إسماعيل بن موسى عن شريك به.
وجعل آخره قوله: "إنما منزلة من صام. . " من كلام عائشة، وأصل الحديث في "صحيح مسلم" (١١٥٤) وغيره من طرق عن طلحة بن يحيى بن عبيد اللَّه: حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين به، وفي آخره: "قال طلحة: فحدثت مجاهدًا بهذا الحديث فقال: ذاك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها".
فجعل آخر الحديث من كلام مجاهد، وفي رواية عند ابن ماجه من كلام عائشة، وفي حديث عائشة عند النسائي جعلها مرفوعة.
والحديث مدار طرقه كلها على طلحة بن يحيى، وهو وإن أشرت سابقًا أن مسلمًا روى له إلا أن بعضهم تكلم فيه، قال ابن القطان: لم يكن بالقوي، وقال ابن حبان: يخطئ وقال أحمد: له أحاديث مناكير، وقال يعقوب بن شيبة: لا بأس به، في حديثه لين، وقال البخاري: منكر الحديث. فأخشى أن يكون الاختلاف هنا في هذا الحديث منه؛ لأن الرواة عنه جماعة من الثقات، وكلهم يروي الحديث دون آخره في تشبيه صيام التطوع بالصدقة.
ورواية أبي الأحوص عند النسائي الخطأ فيها ليس من أبي الأحوص، فهو ثقة متقن، لكن الخطأ من طلحة.
وشريك تارة رفعها وتارة جعلها من قول عائشة، وشريك ضعيف أصلًا.
هذا ما تبين لنا لكن شيخنا الألباني -رحمه اللَّه- جعله من رواية أبي الأحوص من باب زيادة الثقة في "الإرواء" (٤/ ١٣٥ - ١٣٦)، وفيه نظر واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>