للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسألته سهلة بنت سهيل فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئًا فقال: "أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة" فرجعت، فقالت: "إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة" (١)، ذكره مسلم.

فأخذت طائفة من السلف بهذه الفتوى منهم عائشة، ولم يأخذ بها أكثر أهل العلم (٢)، وقدَّموا عليها أحاديث توقيت الرضاع المحرِّم بما قبل الفطام، وبالصغر، وبالحولين لوجوه أحدها: كثرتها، وانفراد حديث سالم، الثاني: أن جميع أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خلا عائشة رضي اللَّه عنهن في شق المنع، الثالث: أنه أحوط، الرابع: أن رضاع الكبير لا ينبت لحمًا ولا ينشر عظمًا، فلا تحصل به البعضية التي هي سبب التحريم، الخامس: أنه يحتمل أن هذا كان مختصًا بسالم وحده، ولهذا لم يجئ ذلك إلا في قصته، السادس: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل على عائشة وعندها رجل قاعد فاشتد ذلك عليه وغضب فقالت: إنه أخي من الرضاعة فقال: "انظرن من إخوانكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة" (٣)، متفق عليه واللفظ لمسلم.

وفي قصة سالم مسلك آخر، وهو أن هذا كان موضع حاجة، فإن سالمًا كان قد تبنَّاه أبو حذيفة وربَّاه، ولم يكن له منه [بد] (٤) ومن الدخول على أهله بد فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد، ولعل هذا المسلك أقوى المسالك وإليه كان شيخنا (٥) يجنح واللَّه أعلم.

وسئل -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ينكح ابنة حمزة فقال: "لا تحلُّ لي إنها ابنة أخي من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" (٦)، ذكره مسلم.


(١) رواه مسلم (١٤٥٣) بعد (٢٧) في (الرضاع): باب رضاعة الكبير من حديث عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها-.
(٢) انظر تفصيل ذلك في "الإشراف" (٤/ ٥٣) للقاضي عبد الوهاب، وتعليقي عليه.
(٣) رواه البخاري (٢٦٤٧) في (الشهادات): باب الشهادة على الأنساب، و (٥١٠٢) في (النكاح): باب من قال: لا رضاع بعد حولين، ومسلم (١٤٥٥) في (الرضاعة): باب الرضاعة من المجاعة من حديث عائشة.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع وأثبتناه من (ك).
(٥) انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٣٤/ ٦٠)، "الجامع للاختيارات الفقهية لشيخ الاسلام ابن تيمية" (٢/ ٨٥٥ - ٨٥٩).
(٦) رواه البخاري (٢٦٤٥) في (الشهادات) و (٥١٠٠) في (النكاح): باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي =

<<  <  ج: ص:  >  >>