للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُلَاةَ الأمر ذلك، وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم فتولَّد من تقصير أولئك في الشريعة، وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاقَمَ الأمر وتعذَّر استدراكه، وأفرط [فيه] (١) طائفة أخرى فسبوغت منه ما يُناقض حكم اللَّه ورسوله، وكلا الطائفتين أُتيَتْ من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث اللَّه به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن اللَّه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقِسْط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان [فذلك من] (٢) شرع اللَّه ودينه ورضاه وأمره، واللَّه تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته، وأماراته في نوع واحد [ويبطل] (٣) غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أشباهها (٤) وأمثالها ولن تجد طريقًا من الطرق المثبتة للحق إلا وفي (٥) شِرْعَة سبيل للدلالة عليها وهل يُظن بالشريعة الكاملة خلف ذلك؟

ولا نقول: إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها وتسميتها سياسة أمرٌ اصطلاحي وإلا فإذا كانت عَدلًا [فهي] من الشرع (٦)، فقد حبس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في تُهْمة وعاقب في تهمة لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم فمن أطلق كل متهم وخلّى سبيله أو حلَّفه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض ونقب الدور وتواتر السرقات، -ولا سيما مع وجود المسروق عنه (٧) - وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل أو إقرار اختيار وطوع


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٢) بدل ما بين المعقوفتين من المطبوع: "فثم".
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع: "وأبطل".
(٤) في المطبوع: "أسبابها" والمثبت من (ك).
(٥) في المطبوع: "وهي" والمثبت من (ك).
(٦) من الأمثلة لعمل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالسياسة الشرعية في "الطرق الحكمية" (ص ١٢، ٣٠٨)، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٧) كذا في (ك) وفي سائر النسخ: "معه".

<<  <  ج: ص:  >  >>