كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين - ت مشهور

الشافعي وأخذ عنه، وكان أحمد يُعَظِّمه؛ ويقول: هو في مِسْلاخ الثوري (١).

[[الإمام أحمد بن حنبل]]

وكان بها إمام أهل السنة على الإطلاق: أحمد بن حنبل، الذي ملأ الأرض علمًا وحديثًا وسنة، حتى إن أئمة الحديث والسنة بعده هم أتباعُه إلى يوم القيامة، وكان [-رضي اللَّه عنه-] (٢) شديدَ الكراهة لتصنيف الكتُب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يُكتب كلامُه، ويشتد عليه جدًّا، فعلم اللَّه حُسْنَ نيته وقَصْده، فكتب من كلامه وفَتْواه أكثر (٣) من ثلاثين سفرًا، ومَنَّ [اللَّه سبحانه] (٤) علينا بأكثرها؛ فلم يَفُتْنَا منها إلا القليل، وجمع الخَلَّالُ نصوصه في "الجامع الكبير" (٥) فبلغ [نحو] (٦) عشرين سِفْرًا أو أكثر، ورُويت فتاويه ومسائله وحُدِّثَ بها قرنًا بعد قرن، فصارت إمامًا وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلِّدين لغيره لَيُعَظِّمونَ نصوصَه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة، ومن تأَمَّلَ فتواه (٧) وفتاوى الصحابة رأى مُطابقة كل منهما للأخرى (٨)، ورأى الجميع كأنها تخرج من مِشْكاة واحدة (٩)، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان، وكان تَحَرِّيه لفتاوى الصحابة كتحري أصحابه لفتاويه ونصوصه، بل أعظم، حتى إنه لَيُقَدِّمُ فتاواهم على الحديث المرسل. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في "مسائله": قلت لأبي عبد اللَّه: حديثٌ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرْسَل برجال ثبت أحَبُّ إليك، أو حديث عن

(١) انظر: "طبقات الشافعية" (٢/ ٧٤) للسبكي، ووقع في المطبوع: "سلاح الثوري" وما أثبتناه من (ن) والسّلْخ: هو الجلد، كما في "اللسان" (٢٥/ ٣) وقال في هامش (ق): "يقال: فلان في مسلخ فلان: أي على هديه وسمته".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ق): "أكثر أكثر".
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في نسخة (و) فراغ.
(٥) مطبوع منه "أحكام أهل الملل" في مجلد بتحقيق سيد كسروي حسن، عن دار الكتب العلمية - ببيروت، و"أهل الملل والردة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض" في مجلدين بتحقيق إبراهيم بن حمد السلطان عن مكتبة المعارف - بالرياض.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٧) في (ق): "فتاويه".
(٨) في المطبوع: "على الأخرى" وفي (ق): "للآخر".
(٩) أحسن وصفٍ وصف به الإمام أحمد -رحمه اللَّه-: "تابعي جليل تأخّر به الزمن".