للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر بن عبد البر: "هذا هو القياس على غير أصل، والكلام في الدين بالْخَرْصِ والظن، ألا ترى إلى قوله في الحديث: "يحلّون الحرام ويحرّمون الحلال"، ومعلوم أن الحلال ما في كتاب اللَّه وسنة رسوله تحليلُه، والحرام ما في كتاب اللَّه وسنة رسوله تحريمُه، فمن جهل ذلك وقال (١) فيما سُئِل عنه بغير علم، وقَاسَ برأيه ما خرج به عن السنة (٢)؛ فهذا الذي قاس الأمور برأيه فَضَلَّ وَأَضَلَّ، فأما من (٣) رَدَّ الفروعَ إلى أصولها فلم يقل برأيه" (٤).


= قلت: مراد أحمد ويحيى هذا الحديث بلفظه المذكور، وفيه ذكر وذم للقياس، وإلا؛ فقد أخرج ابن ماجه في "السنن" (رقم ٣٩٩٢)، وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم ٦٣)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (رقم ١٤٩) بسند جيد، من حديث عوف بن مالك مرفوعًا: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة؛ فواحدة في الجنة، وسبعين في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ فواحدة في الجنة واثنتين وسبعين في النار".
قيل: يا رسول اللَّه من هم؟ قال: "هم الجماعة".
وأخرجه من حديثه -أيضًا- الحاكم في "المستدرك" (١/ ١٢٨ - ١٢٩) من طريق أخرى، ولكن فيها كثير بن عبد اللَّه المزني، لا تقوم به الحجة.
ولحديث عوف بلفظ السابق -وليس بلفظ المصنف- شواهد عديدة من حديث أبي هريرة، ومعاوية، وأنس وعبد اللَّه بن عمرو، وقد صححه جمع من الحفاظ كما بين ذلك بتطويل وتحقيق متين شيخنا الألباني -رحمه اللَّه تعالى- في "السلسلة الصحيحة" (رقم ٢٠٣، ٢٠٤).
وقد ضعف حديث عوف -بلفظ المصنف- الزركشي، فقال في "المعتبر" (ص ٢٢٧): "هذا حديث لا يصح، مداره على نعيم بن حماد، قال الحافظ أبو بكر الخطيب في "تاريخه" [١٣/ ٣١١] بهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل الحديث، وكان يحيى بن معين لا ينسبه إلى الكذب، بل إلى الوهم، وقال النسائي ليس بثقة.
وقال أبو زرعة: قلت ليحيى بن معين في حديث نعيم هذا، وسألته عن صحته فأنكره، قلت يه: من أين يؤتى؟ قال: شُبِّه له. وقال محمد بن علي بن حمزة المروزي: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، قال: ليس له أصل. قلت: فنعيم بن حماد؟ قال: نعيم ثقة. قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شبه له".
(١) في (ق): "قال".
(٢) مفعول قاس، أي: الذي خرج بسببه عن السنة، واللَّه أعلم (ح)، ووقع في المطبوع: "ما خرج منه عن السنة".
(٣) في المطبوع: "ومن".
(٤) "جامع بيان العلم" (٢/ ١٠٣٩ بعد رقم ١٩٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>