للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستدلال بالمعيَّن على المعيَّن]

فالاستدلالُ بالمُعيَّن على المعين هو الاستدلال بالملزوم على لازمه، فكلُّ ملزومٍ دليلٌ على لازمه، فإن كان التلازم من الجانبين كان كلٌّ منهما دليلًا على الآخر ومدلولًا له، وهذا النوع ثلاثة أقسام: أحدها: الاستدلال بالمؤثِّر على الأثَر. والثاني: الاستدلال بالأثر على المؤثر. والثالث: الاستدلال بأحد الأثَرَين (١) على الآخر. فالأول كالاستدلال بالنار على الحريق، والثاني كالاستدلال (٢) بالحريق على النار، والثالث كالاستدلال (٢) بالحريق على الدخان، ومَدَارُ (٣) ذلك كله على التلازم، فالتسوية بين المتماثلين، هو الاستدلال بثبوت أحد الأَثَرين على الآخر، وقياسُ الفَرْق هو الاستدلال بانتفاء أحد الأثرين على انتفاء الآخر، أو بانتفاء اللازم على انتفاء ملزومه، فلو جاز التفريقُ بين المتماثلين؛ لانسدَّت طرقُ الاستدلال وغُلِّقت أبوابه.

قالوا: وأما الاستدلال بالمُعيَّن على العام، فلا يتم إلا بالتسوية بين المتماثلين؛ إذ لو جاز الفرقُ لما كان هذا المعينُ دليلًا على الأمر العام المشترك بين الأفراد (٤)، ومن هذا أدلة القرآن بتعذيب المعينين الذين عذَّبهم على تكذيب رُسُله وعِصْيان أمره، على أن هذ الحكم عام شامل لكل (٥) مَنْ سَلك سبيلهم واتَّصف (٦) بصفتهم، وهو سبحانه قد نَبَّه عباده على نفس هذا الاستدلال، وتعدية هذا الخصوص إلى العموم، كما قال تعالى عقيبَ إخباره عن عقوبات الأمم المكذِّبة لرسُلهم وما حَلَّ بهم: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}؟ [القمر: ٤٣]، فهذا مَحْض تعدية الحكم إلى مَنْ عدا المذكورين بعموم العلة، وإلا (٧) فلو لم يكن حُكمُ الشيء حُكمَ مثله لما لزمت التعدية، ولا تمت الحجة؛ ومثلُ هذا قولهُ تعالى عَقيب إخباره عن عقوبة قوم عادٍ حين رأوا العارض في السماء فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فقال [تعالى] (٨): {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ


(١) في (ن): "بإحدى الأثرين"
(٢) في (ق): "الاستدلال".
(٣) وقع قبلها في (ق): "وعلى الدخان بالحريق".
(٤) في (ن): "من الأفراد".
(٥) في المطبوع: "على".
(٦) في (ق): "أو اتصف".
(٧) سقط من (ك) وسقط من (ق): "وإلا" فقط.
(٨) سقطت من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>