للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما قياس العلة؛ فقد جاء في كتاب اللَّه [عز وجل] (١) في مواضع، منها قوله [تعالى] (١): {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٢)} [آل عمران: ٥٩]، فاخبر [تعالى] (١) أن عيسى نظير آدم في التكوين بجامع ما يشتركان فيه من المعنى الذي تَعلَّق به وجود [سائر المخلوقات، وهو مجيئها طَوْعًا لمشيئته (٣) وتكوينه، فكيف يَستنكرُ وجودَ عيسى من غير أبٍ مَنْ يُقِرُّ بوجود، (٤) آدم من غير أبٍ ولا أُمٍّ؟ ووجود حؤَاء من غير أم؟ فآدم وعيسى عليهما السلام نَظِيرَان يجمعهما المعنى الذي يصحُّ تعليقُ الإيجاد والخلق [به] (١)، ومنها قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ] (٥)} [آل عمران: ١٣٧]، أي: قد كان (٦) من قبلكم أممٌ أمثالكم فانظروا إلى عواقبهم السيئة، واعلموا أن سبب ذلك ما كان من تكذيبهم بآيات اللَّه ورسله، وهم الأصل وأنتم الفرع، والعِلَّةُ الجامعةُ: التَّكذيبُ، والحُكُم: الهلاك (٧).

ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: ٦]، فذكر سبحانه (٨) إهلاك مَنْ قبلنا من القرون، وبَيَّنَ أن ذلك كان لمعنى القياس (٩)، وهو ذنوبهم، فهم الأصل ونحن الفرع، والذُّنوبُ العِلَّةُ الجامِعة، والحكم الهلاك فهذا محض قياس العلة، وقد أكَّده سبحانه بضَرْبٍ من الأوْلى، وهو أن مَنْ قبلنا كانوا أقوى منا فلم تَدفع عنهم قوتُهم وشدتُهم ما حلَّ بهم، ومنه قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: ٦٩]


(١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٢) في (ق): "فكان".
(٣) في (ن): "كمشيئته"، وفي (ق): "بمشيئته".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(٥) من هنا إلى قوله: "ولهذا كان" ص ٢٥٥ سقط من (ك).
(٦) في "ق" بعدها: "لكم "
(٧) في (ن): "والحكم بالهلاك".
(٨) في (ن): "فبين سبحانه" ووقع في "ق": "إهلاك من كان قبلنا".
(٩) قال في هامش (ق): "للمعنى القياسي".

<<  <  ج: ص:  >  >>