للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر جدًّا بلفظ الإخراج، أي يَخْرجون (١) من الأرض أحياءً كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.

ومنه قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) [ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣٩)] (٢) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)} [القيامة: ٣٦ - ٤٠].

فبَيّن سبحانه كيفيةَ الخلقِ واختلافَ أحوال الماء في الرحم إلى أن صارَ منه الزوجان الذكر والأنثى، وذلك أمارة وجود صانع قادر على ما يشاء، ونَبَّه سبحانه (٣) عباده بما أحْدَثَه في النطفة المَهِينة الحَقِيرة من الأطوار، وسَوْقها في مراتب الكمال من مرتبة إلى [مرتبة] (٤) أعلى منها، حتى صارت بَشَرًا سَوِيًا في أحسن خَلْق (٥) وتقويم - على أنه لا يحسن به أن يترك هذا البشر سُدَى مُهْمَلًا معطلًا لا يَأمُره ولا يَنْهاه ولا يقيمه في عبوديته، وقد ساقه في مراتب الكمال من حين كان نطفة إلى أن صار بَشَرًا سَويًا، فكذلك يسوقه في مراتب كماله طبقًا بعد طبَق، وحالًا بعد حال، إلى أن يصير جاره في داره، يتمتَّع بأنواع النعيم، وينظر إلى وجهه، ويسمع (٦) كلامه.

ومنه قوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ] (٧) يَشْكُرُونَ (٥٨)} [الأعراف: ٥٧، ٥٨]، فأخبر سبحانه أنهما إحياءان، [وأن] (٨) أحدهما معتبر بالآخر مَقِيس عليه، ثم ذكر قياسًا آخر، أنَّ مِن الأرض ما يكون أرضًا طيبةً فإذا أَنزل (٩) عليها الماء أخرجتْ نباتَها بإذن ربها، ومنها ما تكون أرضًا خبيثة لا تُخرج نَباتَها إلا نكدًا، أي: قليلًا غير مُنْتَفع به، فهذه إذا أنزل عليها الماء لم تخرج ما أخرجت الأرض الطيبة، فشَبَّه سبحانه الوَحْيَ الذي أنزله من السماء على القلوب بالماء الذي أنزله على الأرض


(١) في (ق): "تخرجون".
(٢) في (ق): "إلى قوله".
(٣) في (ق): "تعالى".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في (ق): "خلقه".
(٦) في (ق): "فيسمع".
(٧) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(٨) في (ق): "و".
(٩) في المطبوع: "أنزلنا" ووقع في (ق): "ومن الأرض ما تكون أرضًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>