للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: ٧٧]، فلم يجمعوا بين الأصل والفرع بعلة ولا دليلها، وإنما ألحقوا أحدهما بالآخر من غير دليل جامع سوى مُجَرَّد الشَّبَه الجامع بينه وبين يوسف، فقالوا: هذا مقيس على أخيه، بينهما شبه من وجوه عديدة، وذاك قد سرق فكذلك هذا، وهذا هو الجمع بالشبه الفارغ، والقياس بالصورة (١) المجردة عن العلة المقتضية (٢) للتساوي، وهو قياس فاسد، والتساوي في قرابة الأخوة ليس بعلة للتساوي في السرقة لو كان (٣) حقًا، ولا دليل على التساوي فيها؛ فيكون الجمع لنوع شبه خالٍ عن العلة ودليلها.

ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الكفار [أنهم قالوا] (٤): {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} فاعتبروا مجرد صورة (٥) الآدمية وشبه المجانسة، واستدلوا بذلك على أن حكم أحد الشبهين حكم الآخر؛ فكما لا نكون نحن رسلًا فكذلك أنتم، فإذا تساوينا في هذا الشبه فأنتم مثلنا لا مزية لكم علينا، وهذا من أبطل القياس؛ فإن الواقع من التخصيص والتفضيل جعل (٦) بعض هذا النوع شريفًا وبعضه دنيًا (٧)، وبعضه مرؤوسًا وبعضه رئيسًا، وبعضه ملكًا وبعضه سوقة، يبطل هذا القياس، كما أشار سبحانه إلى ذلك في قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] (٤)} [الزخرف: ٣٢].

وأجابت الرسل عن هذا السؤال بقولهم: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: ١١]، وأجاب اللَّه [سبحانه] (٤) عنه بقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]، وكذلك قوله [سبحانه] (٤): {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (٣٤)} [المؤمنون: ٣٣، ٣٤]، فاعتبروا المساواة في البشرية وما هو من خصائصها من الأكل والشرب، وهذا مجرد (٨) قياس شبه وجمع صوري، ونظير


(١) في (ق) و (ك): "بالضرورة".
(٢) في (ن) و (ك): "المفضية".
(٣) في (ق): "كانت".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٥) في المطبوع: "صورة مجرد" بتقديم وتأخير، ووقع في (ق): "وشبه المجانسة فيها".
(٦) في المطبوع: "وجعل".
(٧) في (ن): "وضيعًا".
(٨) سقطت من (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>