للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ولعرف ما يُراد منهما فليس من أهلهما، واللَّه الموفق (١).

[فصل [مثل الحياة الدنيا]]

ومنها قوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ [حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ] (٢) كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)} [يونس: ٢٤]، شبَّه سبحانه الحياة الدنيا بأنها (٣) تتزين في عين الناظر [فتروقُه] (٤) بزينتها وتُعجبه فيميل إليها ويهواها اغترارًا منه بها، حتى إذا ظنَّ أنه مالك لها قادر عليها سلبها بغتة أحوج ما كان إليها، وحيل بينه وبينها، فشَبَّهها بالأرض التي ينزل الغيث عليها فتَعْشُب ويحسنُ نباتُها ويروق منظرها للناظر، فيغتزُ بها، ويظن أنه قادرٌ عليها، مالكٌ لها، فيأتيها أمر اللَّه فتدرك نباتَها الآفةُ بغتةَ، فتصبح كأن لم تكن قبل، فيخيب ظنه، وتصبح يداه صفرًا (٥) منها؛ فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء؛ وهذا من أبلغ التشبيه والقياس، ولما كانت الدنيا عرضة لهذه الآفات، والجنة سليمة [منها] (٦) قال: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} فسماها هنا (٧) دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا، فعمَّ بالدعوة إليها، وخصَّ بالهداية مَنْ يشاء، فذاك عدله وهذا فضله.


(١) انظر تفسير الإمام ابن القيم -رحمه اللَّه- لهذه الآية في "مفتاح دار السعادة" (ص ٦٦ - ٦٧)، و"طريق الهجرتين" (ص ٩٨)، و"الوابل الصيب" (ص ٨٢ - ٧٨ - بتحقيق الأرناؤوط).
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(٣) في المطبوع: "في أنها"، وفي (ك) و (ق): "أنها".
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من مضروب عليه في (ن).
(٥) في (ك): "صفراء".
(٦) في (ن): "والجنة مسلمة منها". وفي (ك): "والجنة سليمة". وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في (ن) و (ق) و (ك): "ههنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>