للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[المعرضون عن الحق نوعان]]

ذكر سبحانه (١) للكافر مثلين: مثلًا للسراب (٢)، ومثلًا بالظلمات المتراكمة، وذلك لأن المعرضين عن [الهدى و] (٣) الحق نوعان: أحدهما من يظن أنه على شيء فيتبين له (٤) عند انكشاف الحقائق خلاف ما كان يظنه، وهذه حال أهل الجهل وأهل البدع والأهواء الذين يظنون أنهم على هدى وعلم، فإذا انكشفت الحقائق تبين لهم أنهم لم يكونوا على شيء، وأن عقائدهم وأعمالهم التي ترتبت عليها كانت كسراب [بقيعة] (٣)، يُرى في عين الناظر [ماءً] (٥) ولا حقيقة له.

[الأعمال التي لغير اللَّه وعلى غير أمره]

وهكذا الأعمال التي لغير اللَّه وعلى غير أمره، يحسبها العامل نافعة له وليست كذلك، وهذه الأعمال التي قال اللَّه [عز وجل] (٣) فيها: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان: ٢٣]، وتامَّل [تشبيه] (٦) اللَّه سبحانه السراب بالقِيعة -وهي الأرض القفر الخالية من [البناء والشجر والنبات] (٧)، والعالم- فمَحَلُّ (٨) السَّرابِ أرضٌ قَفْر لا شيء بها، والسراب لا حقيقة له، وذلك مطابق لأعمالهم وقلوبهم التي أقفرت من الإيمان والهدى. وتامل ما تحت قوله: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}، والظمآن الذي قد اشتدَّ عطشه، فرأى السراب فظنه ماءً فتبعه فلم يجده شيئًا، بل خانه أحوج ما كان إليه (٩)، فكذلك هؤلاء، لما كانت أعمالهم على غير طاعة الرسول (١٠)، ولغير اللَّه، جُعلت كالسراب، فرفعت لهم أظمأ ما كانوا وأحوج ما كانوا إليها، فلم يجدوا شيئًا، ووجدوا اللَّه [سبحانه ثَمَّ] (١١)؛ فجازاهم بأعمالهم ووفَّاهم حسابهم.

وفي "الصحيح" من حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث التجلِّي يوم القيامة: "ثم يُؤتى بجهنم تُعْرَض كأنها السراب، فيُقال لليهود: ما كنتم


(١) في (ق): "تعالى".
(٢) في (ق) و (ك): "بالسراب".
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٤) في (ق) و (ك): "فيبين له".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٦) في المطبوع: "جَعْل".
(٧) في (ق): "البناء والنبات والشجر".
(٨) في (ق): "محل".
(٩) في (و) و (ق) و (ك): "بل جاء ربه أحوج ما كان إليه".
(١٠) في (ن) و (ق) و (ك): "الرسل".
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>