للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ [فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ] (١) كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨)} [الروم: ٢٨]، وهذا دليل قياس (٢) احتج اللَّه سبحانه به على المشركين حيث جعلوا له من عَبيده ومُلْكه شركاء، فأقام عليهم حُجة يعرفون صحتها من نفوسهم، لا (٣) يحتاجون فيها إلى غيرهم، ومن أبلغ الحِجَاج أن يُؤخذ (٤) الإنسان من نفسه، ويُحتج عليه بما هو في نفسه، مُقَرَّرٌ عندها، معلومٌ لها، فقال: هل لكم مما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائِكم شُركاءَ في المال والأهل؟ أي: هل يُشارككم عَبيدُكُم في أَموالكم وأهليكم فأنتم وهم في ذلك سواء تخافون أن يقاسموكم أموالكم ويشاطروكم إياها، ويستأثرون ببعضها عليكم، كما يخافُ الشَّريكُ شَريكَه؟ وقال (٥) ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضُكم بعضًا (٦)، والمعنى هل يرضى أحد منكم أن يكون عبدُه شَريكَه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك فهو (٧) يخاف أن ينفرد في ماله بأمرٍ يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشُّركاءِ الأَحرار؟ فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي؟ فإن كان هذا الحكم باطلًا في فطركم وعقولكم -مع أنه جائز عليكم ممن في حقكم؛ إذ ليس عبيدكم ملكًا لكم حقيقة، وإنما هم إخوانكم جعلهم اللَّه تحت أيديكم، وأنتم وهم عبيد لي (٨) - فكيف تستجيزون مثل هذا الحكم في حقي، مع أنّ مَنْ جعلتموهم (٩) لي شُركاءَ عَبيدي ومُلْكي وخَلْقي؟ فهكذا يكون تفصيل الآيات لأولي العقول (١٠).


(١) بدلها في (ق): "إلى قوله".
(٢) في (ق): "دليل قياسي" وسقطت لفظة "سبحانه" من (ق).
(٣) في (ك) و (ق): "ولا".
(٤) في المطبوع و (ك): "يأخذ".
(٥) في (ق): "قال".
(٦) أخرجه الطبري في "التفسير" (٢١/ ٣٩)، قال: حُدِّثْتُ عن حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه راو مبهم. ولم يعزه في "الدر المنثور" (٦/ ٤٩٢) إلا لابن جرير.
(٧) في (ق): "فهل".
(٨) في (ك): "عبيدي".
(٩) في (ق): "جعلتموه".
(١٠) انظر تفسير ابن القيم -رحمه اللَّه- لهذه الآيات -أيضًا- في "الجواب الكافي" (ص ٢٠٧)، و"مدارج السالكين" (١/ ٢٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>