للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا هَرَّ عليه (١) [وقهره] (٢)، لحرصه وبخله وشَرَهه، ومن عجيب أمره وحرصه أنه إذا رأى ذا هيئة رثة وثياب دَنيَّة وحال رزِية نَبَحه وحَمَل عليه، كأنّه يتصور مشاركته له ومنازعته في قوته، وإذا رأى ذا هَيْئة حَسَنة وثياب جميلة ورياسة وضع له خطمه بالأرض، وخَضَع له، ولم يرفع إليه رأسه.

[[سر بديع في تشبيه من آثر الدنيا بالكلب]]

وفي (٣) تشبيه من آثر الدنيا وعاجِلَها على اللَّه والدار الآخرة -مع وفور علمه- بالكلب في حال لهفه (٤) سرٌّ بديع، وهو أن هذا الذي حاله ما ذكره اللَّه من انسلاخه من آياته واتباعه هواه؛ إنَّما كان لشدة لهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن اللَّه والدار الآخرة، فهو شديد اللهف عليها، ولهفه نظير لهف الكلب الدائم (٥) في حال إزعاجه وتركه، واللهف واللهث شقيقان وأخَوَان (٦) في اللفظ والمعنى، قال ابن جُريج: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له، [إن تحمل عليه يلهث أو (٧) تتركه يلهث، فهو مثل الذي يترك الهدى، لا فؤاد له] (٨) إنما فؤاده منقطع (٩). قلت: مراده بانقطاع فؤاده أنّه ليس له فؤاد يَحْمله على الصبر وترك اللهث؛ وهكذا الذي انسلخ من آيات اللَّه، لم يبق معه فؤاد يحمله على الصبر عن الدنيا وترك اللهف عليها، فهذا يلهف على الدنيا من قلِّة صبره عنها، وهذا يلهث من قلة صبره عن الماء، فالكلب من أقل الحيوانات صبرًا عن الماء، وإذا عطش أكلَ الثرى من العطش، وإنْ كان فيه صبر على (١٠) الجوع؛ وعلى كل حال فهو من أشد الحيوانات لهثًا، يلهث قائمًا وقاعدًا وماشيًا [وواقفًا] (١١)، وذلك لشِّدة حرصه؛ فحرارة الحرص في كبِدِه [توجب له دوامَ اللهث] (٨)، فهكذا مُشَبَّههُ شدة الحرص


(١) قال (د): "هر عليه": نبحه، وفي (ط): "صَوّت عليه، وهو صوت دون النباح".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) وفي (ك): "ونهره". وفي بعض النسخ: "شيئًا إلا عن غلبةٍ وقهر".
(٣) في (ن): "وفيه"!.
(٤) في المطبوع: "لهثه".
(٥) في (ن): "القائم".
(٦) في (ق): "وأخوان" وبياض على قدر حرف (و).
(٧) في (ن): "وإن".
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٩) رواه الطبري (٩/ ١٢٩) بعد أن روى من طريق ابن جريج عن مجاهد، قال: قال ابن جريج.
(١٠) في (ق): "عن".
(١١) ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>