للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحت هذا المثل من الفقه أنه سبحانه شَبَّه الإنفاق بالبذَر، فالمُنْفق ماله الطيَّب للَّه لا لغيره باذر ماله في أرضٍ زكية، فمَغِلَّه بحسب بَذْره وطِيب أرضه وتعاهُدِ البذر بالسقي ونَفْي (١) الدَّغَل والنبات الغريب عنه، فإذا اجتمعتْ هذه الأمور ولم تحرقِ (٢) الزرعَ نارٌ ولا لحقته جائحةٌ جاء أمثالَ الجبال، وكان مثله كمثل جنَّةٍ بربوةٍ، وهي المكان المرتفع الذي تكون الجنةُ فيه نصب الشمس والرياح فتتربى (٣) الأشجارُ هناك أتمَّ تربية فنزل عليها من السماء مطرٌ عظيمُ القَطْر مُتَتَابع فرَوَّاها ونَمَّاها فآتت أُكُلَها ضِعْفي ما يؤتيه (٤) غيرها بسبب ذلك الوابل، فإنْ لم يُصبها وابلٌ فطَلٌّ: مطر صغير القَطْر، يكفيها لكرم مَنْبَتِها، تزكو على الطل وتنمو عليه، مع أن في ذكر نَوْعي الوابل والطل إشارة إلى نوعي الإنفاق الكثير والقليل.

[مثل المنفق ماله لغير اللَّه]

فمن الناس من يكون [إنفاقه] (٥) وابلًا، ومنهم من يكون إنفاقه طَلًّا، واللَّه لا يضيع مثقالَ ذرة، فإنْ عَرَضَ لهذا العامل ما يغرق أعماله ويُبْطل حسناته كان بمنزلة رجل {لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة: ٢٦٦]، فإذا كان يومُ استيفاءِ الأعمال وإحراز الأجور وَجَدَ هذا العاملُ عملَه قد أصابه ما أصاب صاحبَ هذه الجنة، فحسْرَتُهُ حينئذٍ أشَدُّ من حَسْرة هذا على جنته؛ فهذا مثل ضربه اللَّه [سبحانه] (٦) في السيرة لسَلْب النعمة عند شدة الحاجة إليها مع عِظِم قَدْرِها ومَنْفَعتِها، والذي ذهبت عنه قد أصابه الكبرُ والضَّعفُ فهو أحْوَجُ ما كان إلى نعمته (٧)، ومع هذا فله ذرية ضعفاء لا يقدرون على نَفْعه والقيام بمصالحه، بل هم في عِيَاله، فحاجَتُه إلى جنته (٨) حينئذٍ أشَدُّ ما كانت لضعفه وضعف ذريته، فكيف يكون (٩) حالُ هذا إذا كان له بستان عظيم فيه من جميع الفواكه والثمر؟ وسلطانُ ثمره أجلُّ الفواكه [وأجملها] (١٠) وأنفعها، وهو ثمر


(١) في (ق): "ويتعاهد البذر بالسقي وينفي".
(٢) في (ق): (يحرق).
(٣) في (ق): "فتربي".
(٤) في (ن): "ما يؤتى".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٧) في (ق): "جنته".
(٨) في المطبوع و (ك): "نعمته".
(٩) في (ق): "تكون".
(١٠) ما بين المعقوفتين من (ق)، ووقع بعدها: "وهو ثمرة النخيل".

<<  <  ج: ص:  >  >>