للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة إلا ما كان منها متصلًا باللَّه وحده على أيدي (١) رسله، فلو نفعت وُصْلَةُ القرابة والمصاهرة (٢) أو النكاح مع عدم الإيمان لنفعت الوُصْلَةُ التي كانت بين نوح ولوط وامرأتيهما، [فلما لم] (٣) يُغْنِيَا عنهما من اللَّه شيئًا، قيل (٤) لهما: {ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} (٥) قطعت الآيةُ حينئذٍ طمع من ارتكب (٦) معصية اللَّه وخالف أمره، ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبي، ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال، فلا اتصال فَوْقَ اتصال البنوَّة والأبوة والزوجية، فلم يُغْن نوح عن ابنه، ولا إبراهيم عن أبيه، ولا نوح ولا لوط عن امرأتيهما من اللَّه شيئًا، قال اللَّه تعالى: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: ٣]، وقال [تعالى] (٧): {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} [الانفطار: ١٩]، وقال [تعالى] (٧): {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ١٢٣]، وقال: {وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا [إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ] (٧)} [لقمان: ٣٣]، وهذا كله تكذيب لأطماع المشركين الباطلة أنَّ مَنْ تعلَّقوا به من دون اللَّه من قَرَابةٍ أو صِهْرٍ أو نكاح أو صُحْبة ينفعهم (٨) يوم القيامة، أو يُجيرُهم من عذاب اللَّه، أو [هو يشفع] (٩) لهم عند اللَّه، وهذا أصْل ضَلالِ بني آدم وشِرْكِهِم، وهو الشرك الذي لا يغفره اللَّه، وهو الذي بعث اللَّه جميع رسله وأنزل جميع كتبه بإبطاله ومحاربة أهله ومعاداتهم.

فصل [مَثَلا المؤمنين]

وأما المثلان اللذان للمؤمنين:

فأحدهما: امرأة فرعون، ووَجْهُ المثلِ أن اتصال المؤمن بالكافر لا يَضُره شيئًا إذا فارقه في كُفره وعملِه، فمعصية العاصي (١٠) لا تضر [المؤمن] (٧) المطيع


(١) في (ق): "يدي".
(٢) في (ق): "أو المصاهرة".
(٣) في (ك) و (ق): "فلم".
(٤) في (ك) و (ق): "وقيل".
(٥) قال ابن القيم في "روضة المحبين" (ص ٧٥): "كأن الكون كله نطق بذلك وقاله لهم" اهـ.
(٦) في المطبوع: "ركب"، ووقع في (ق): "فقطعت الآية".
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٨) في (ق): "تنفعهم".
(٩) في (ق) بدلها: "تشفع".
(١٠) في (ن): "العادي"، وفي المطبوع: "الغير".

<<  <  ج: ص:  >  >>