للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت إذا تأملت قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٧ - ٧٩]، وجدتَ الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن هذا القرآن جاء من عند اللَّه، وأن الذي جاء به روح مطهر (١)، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيلٌ، ووجدت الآية أُخْتَ قوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: ٢١٠ - ٢١١]، ووجدتها دالَّةً بأحسن الدلالة على أنه لا يمسَّ المصحف إِلا طاهر (٢)، ووجدتها دالة -أيضًا- بألطف الدلالة على أنه لا يجد حلاوتَه وطعمه إِلَّا من آمن به وعمل به، كما فهمه البخاريُّ من الآية فقال في "صحيحه" في باب: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} (٣) [آل عمران: ٩٣]: "لا يمسه": لا يجد طَعْمه ونفعه، إِلَّا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إِلَّا [الموقن] (٤)؛ لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥]، وتجد تحته -أيضًا-[أنه] (٥) لا يَنَال معانيه ويفهمه كما ينبغي إِلَّا القلوبُ الطاهرة، وأنَّ القلوب النجسة ممنوعةٌ من فهمه مصروفة عنه، فتأمل هذا النسبَ القريبَ، وعَقْدَ هذه الأخوة بين هذه المعاني، وبين المعنى الظاهر من الآية، واستنباط هذه المعاني كلها من الآية بأحسنِ وجه وأبينه.

فهذا من الفهم الذي أشار إليه علي (٦) -رضي اللَّه عنه-.

وتأمل قوله تعالى لنبيّه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] كيف يفهم منه أنه إذا كان وجودُ بدنه وذاتِهِ فيهم، دفَعَ عنهم العذاب، وهم أعداؤُه، فكيف [وجود] (٥) سِرِّه والإيمان به ومحبته ووجود ما جاء به إذا كان في قوم أو كان في شخص؟ أفليس دَفْعه (٧) العذاب عنهم بطريق الأولى والأحرى؟ (٨).


(١) في (ن) و (ق): "روح مطهرة".
(٢) انظر تفصيل هذا في "الفتاوى الكبرى" (١/ ٥٦) لابن تيمية، و"التبيان في أقسام القرآن" (٢١٩ وما بعد).
(٣) الباب في (كتاب التوحيد): من "الصحيح" (١٣/ ٥٠٧ - ٥٠٨ مع "فتح الباري").
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في المطبوع و (ق) و (ك): "المؤمن"، والتصويب من "صحيح البخاري" وسقطت لفظة "تعالى" من (ق).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) في كلامه المتقدم قريبًا، وهناك تخريجه.
(٧) في (ن): "منعه"، وفي (ق): "أوليس دفعه".
(٨) نعم، ولا سيما أن الآية فيها: {وَأَنْتَ فِيهِمْ}، وليس {وأنت منهم}، فتأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>