للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن اللَّه سبحانه ذمَّ الاختلافَ في كتابه، ونهى عن التفرق والتنازع، فقال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى] (١) أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣]، وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: ١٠٥]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩]، وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦]، وقال: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: ٥٣]، والزبر: الكُتُب، أي كل فرقة صنفوا كتبًا أخذوا بها وعملوا بها [ودعوا إليها] (٢) دون كتب الآخرين؛ كما هو الواقع سواء، وقال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦]، قال ابن عباس: تبيضُّ وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسودُّ وجوه أهل الفرقة والاختلاف (٣).

وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم" (٤)، وقال: "اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا" (٥)، وكان التنازع والاختلاف أشد شيء


(١) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى قوله".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(٣) أخرجه اللالكائي في "شرح السنة" (١/ ٧٢ رقم ٧٤) من طريق أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص ١٣٢ - ١٣٣) من طريق إسماعيل بن صالح الحلواني، والخطيب (٧/ ٣٧٩)، والآجري في "الشريعة" (٣/ ٥٨٩ - ٥٩٠ رقم ٢١٢٨ - ط وليد سيف)، من طريق أبي عمر الدوري، كلهم قالوا: حدثنا علي بن قدامة عن مجاشع بن عمرو عن ميسرة بن عبد ربه عن عبد الكريم به، وألفاظهم قريبة من بعضها.
وأخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (٢/ ٤٦٤ رقم ٣٣٩ - آل عمران) من طريق مجاشع به.
قلت: وإسناده ضعيف جدًا، إن لم يكن موضوعًا؛ ففيه علي بن قدامة ضعيف، وشيخه مجاشع بن عمرو اتهم بالكذب، وشيخه ميسرة مثله.
ثم إن المتأمل في هذا التفسير يجد فيه نكارة، وهي أنه مخالف لنص القرآن الكريم، فقد بيّن اللَّه تعالى لنا من هم الذين تبيض وجوههم، ومن الذين تسود وجوههم فقال: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: ١٠٦] واللَّه أعلم.
(٤) رواه مسلم (٤٣٢) في (الصلاة): باب تسوية الصفوف وإقامتها، من حديث أبي مسعود.
(٥) رواه البخاري (٥٠٦٠) و (٥٠٦١) في (فضائل القرآن): باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، و (٧٣٦٤) و (٧٣٦٥) في (الاعتصام): باب كراهية الاختلاف، ومسلم (٢٦٦٧) في (العلم): باب النهي عن أتباع متشابه القرآن، من حديث جندب بن عبد اللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>