للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثوبًا بربعه وزيتونه يعصره زيتًا بربعه وحبه يطحنه بربعه؟ وأمثال ذلك مما هو مصلحة محضة للمتعاقدين لا تتم مصلحتهما في كثير من المواضع إلا به؛ فإنه ليس كل واحد يملك عوضًا يستأجر به من يعمل له ذلك، والأجير محتاج إلى جزء من ذلك، والمستأجر محتاج إلى العمل، وقد تراضيا بذلك، ولم يأت من اللَّه ورسوله نصٌ يمنعه، ولا قياسٌ صحيح، ولا قولُ صاحب، ولا مصلحةٌ معتبرة ولا مرسلة، ففرقتم بين ما جمع اللَّه بينه، وجمعتم بين ما فرق اللَّه بينه، فقلتم: لو اشترى عنبًا ليعصره خمرًا أو سلاحًا ليقتل به مسلمًا ونحو ذلك إنَّ البيع صحيح، وهو كما لو اشتراه ليقتل به عدو اللَّه ويجاهد به في سبيله أو اشترى عنبًا ليأكله، كلاهما سواء في الصحة، وجمعتم بين ما فرق اللَّه بينه فقلتم: لو استأجر (١) دارًا ليتخذها كنيسةً يَعبدُ فيها الصليب والنار جاز له كما لو استأجرها ليسكنهما، ثم ناقضتم أعظم مناقضة فقلتم: لو استأجرها ليتخذها مسجدًا لم تصح الإجارة، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينه فقلتم: لو استأجر أجيرًا بطعامه وكسوته لم يجز، واللَّه سبحانه لم يفرِّق بين ذلك وبين استئجاره بطعام مُسمَّى وثياب معينة، وقد كان الصحابة [-رضي اللَّه عنهم-] (٢) يؤجر (٣) أحدهم نفسه في السَّفر والغَزو بطعام بطنه ومركوبه (٤)، وهم أفقه الأمة، وفرقتم بين ما جمع اللَّه بينه من عقدين متساويين من كل وجه، وقد صرح المتعاقدان فيهما بالتراضي، وعلم اللَّه سبحانه تراضيهما والحاضرون، فقلتم: هذا عقد باطل لا يفيد الملك ولا الحِل حتى يصرحا بلفظ: بعتُ واشتريتُ، ولا يكفيهما أن يقول كل واحد منهما: أنا راضٍ بهذا كل الرضى، ولا قد رضيت بهذا عوضًا عن هذا، مع كون هذا اللفظ أدلَّ على الرضى الذي جعله اللَّه [سبحانه] (٥) شرطًا للحل من لفظة: بعت واشتريت؛ فإنه [لفظ] (٦) صريحٌ فيه، وبعت واشتريت إنما يدل عليه باللزوم؛ وكذلك عقدُ النكاح، وليس ذلك من العبادات التي تعبَّدنا الشارع فيها بألفاظ لا يقوم غيرها مقامها كالأذان وقراءة الفاتحة في الصلاة وألفاظ التشهد وتكبيرة الإحرام وغيرها، بل هذه العقود تقع من


(١) في (ق) و (ك): "لو اشترى".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ن).
(٣) في (ق) و (ك): "يؤاجر".
(٤) في (ق): "وركوبه".
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٦) قال في هامش (ق): "لعله: رضى" وسقطت لفظة (في) من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>