للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكرهُ شيء فيه بغير رضاها، قالوا: وكما خرجتم عن محض القياس خرجتم عن صريح السنة؛ فإنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيَّرَ جاريةً بكرًا زوَّجَها أبوها وهي كارهة (١)، وخيَّر أُخرى ثيبًا (٢)، ومن العجب أنكم قلتم: لو تصرَّفَ في حبل من مالها على غير وجه الحفظ لها كان مردودًا، حتَّى إذا تصرَّف في بُضْعها على خلاف حظها كان لازمًا، ثم قلتم: هو أخبر بحظها منها، وهذا يرده الحس؛ فإنها أعلم بميلها ونفرتها وحظها ممن [تحب أن] (٣) تعاشره وتكره عشرته، وتعلقتم بما رواه مسلم من حديث ابن عباس يرفعه: "الْأَيِّمُ أحَق بنفسها من وليها، والبكر تُسْتَأذن في نفسها، وإذْنها صُمَاتها" (٤) وهو حجة عليكم، وتركتم ما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة يرفعه: "لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن" (٥)


(١) ورد في الباب أحاديث عديدة، منها: ما أخرجه أحمد (١/ ٢٧٣)، وأبو داود (٢٠٩٦)، والنسائي في "الكبرى" -كما في "التحفة" (٦٠٠١) - وابن ماجه (١٨٧٥) عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكرًا أتت النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرت له أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-".
هكذا رواه جرير بن حازم يزيد بن حبان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلًا، كما عند أبي داود (٢٠٩٧) وهو المحفوظ، على ما ذكر البيهقي (٧/ ١١٧) وهذا الذي رجحه ابن أبي حاتم في "العلل" (١/ ٤١٤ رقم ١٢٤٣) عن أبيه، والدارقطني والحديث صحيح بمجموع طرقه، قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (٢/ ٢٤٩ - ٢٥٠): "فأما قصة الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة، تظاهرت بها الروايات، من حديث ابن عمر وجابر وابن عباس وعائشة" قال: "ذكر فيها أبو داود حديث ابن عباس، وهو صحيح، ولا يضرّه أن يرسله بعض رواته، إذا أسنده من هو ثقة".
وانظر تتمة كلامه، و"نصب الراية" (٣/ ١٩٠ - ١٩١) و"الحنائيات" (رقم ٢٣٢) وتعليقي عليه.
(٢) يشير إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (٥١٣٨، ٥١٣٩) كناب النكاح: باب إذا زوّج ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود عن خنساء بنت خذام الأنصاريّة أنَّ أباها زوَّجها وهي ثيّبٌ، فكرهت ذلك، فأتت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردّ نكاحه.
وانظر حديثًا آخر في "مصنف عبد الرزاق" (٦/ ١٤٦)، و"سنن البيهقي" (٧/ ١٢٠)، وانظر الكلام عليه في "الأحكام الوسطى" (٥/ ١٦٨)، و"بيان الوهم والإيهام" (٣/ ٨٢).
وانظر: "زاد المعاد" (٤/ ٢ - ٣)، "تهذيب السنن" (٣/ ٤٠ - ٤٣ مهم).
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق) والعبارة قبلها: "أعلم بميلها وحظها ونفرتها".
(٤) أخرجه مسلم (١٤٢١): كتاب النكاح: باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت.
(٥) أخرجه البخاري (٥١٣٧): كتاب النكاح: باب لا يُنْكِح الأبُ وغَيرُه البكر والثَّيِّب إلَّا =

<<  <  ج: ص:  >  >>