للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان شرطًا باطلًا مردودًا، ولو كان مئة شرطٍ، وليس ذلك بأعظم من رد حكم الحاكم إذا خالف حكم اللَّه ورسوله، ومن رد (١) فتوى المفتي، وقد نص اللَّه سبحانه على رد وصية الجانف في وصيته والآثم فيها، مع أن الوصية تصح في غير قربة، وهي أوسع من الوقف، وقد صرح صاحب الشرع برد كل عمل ليس عليه أمره، فهذا الشرط مردود بنص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٢) فلا يحل لأحد أن يقبله ويعتبره ويصححه.

ثم كيف يوجبون الوفاء بالشروط التي إنما أخرج الواقف ماله لمن قام بها وإن لم تكن قربة ولا للواقفين فيها غرض صحيح، [وإنما غرضهم ما يقربهم إلى اللَّه] (٣)، ولا يوجبون الوفاء بالشروط التي إنما بذلت المرأة بَضْعَها للزوج بشرط وفائه لها بها، ولها فيها (٤) أصح غرض ومقصود، وهي أحق من كل شرط يجب الوفاء به بنص رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٥)؛ وهل هذا إلَّا بخروج (٦) عن محض القياس والسنّة؟

[[خطأ القول بأن شرط الواقف كنص الشارع]]

ثم من العجب العجاب قول من يقول: إن شروط الواقف كنصوص الشارع، ونحن نبرأ إلى اللَّه من هذا القول، ونعتذر ممَّا جاء به قائله، ولا نعدل بنصوص الشارع غيرها أبدًا، وإن أحسنَّا الظن بقائل هذا القول حُمل كلامه على أنها كنصوص الشارع في الدلالة، وتخصيص عامِّها بخاصها، وحمل مطلقها على مقيدها، واعتبار مفهومها كما يعتبر منطوقها، وأما أن تكون كنصوصه في وجوب الاتِّباع وتأثيم من أخلّ بشيء منها فلا يُظن ذلك بمن له نسبة ما إلى العلم، فإذا كان حكمُ الحاكمِ ليس كنص الشَّارعِ، بل يرد ما خالف حُكمَ اللَّه ورسوله من ذلك، فشرط الواقف إذا كان كذلك كان أولى بالرد والإبطال،


(١) في (د): "ورد".
(٢) هو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".
أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب البيوع): باب إذا اصطلحوا على صلح جور؛ فالصلح مردود (رقم ٢٦٩٧)، ومسلم في "الصحيح" (كتاب الأقضية): باب نقض الأحكام الباطلة (رقم ١٧١٨)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.
(٣) بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "ولا يقربهم" وفي (ك): "ولا ما يقربهم".
(٤) كذا في (د)، وفي سائر النسخ "فيه" وله وجه.
(٥) سبق تخريجه قريبًا.
(٦) في (ك): "خروج".

<<  <  ج: ص:  >  >>