للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس له أن يُتلف ماله كما أَتلف مَالَه، وإن لم تكن له حُرمة كالثوب يشقُّه والإناء يكسره فالمشهور أنه ليس له أَن يُتلف عليه نظير ما أتلفه، بل له القيمة في (١) المثل كما تقدم، والقياس يقتضي أن له أن يفعل بنظير ما أتلفه عليه كما فعله الجاني [به] (٢)؛ فيشق ثوبه كما شق ثوبه، ويكسر عصاه كما كسر عصاه إذا كانا متساويين، وهذا من العدل، وليس مع من منعه نص ولا قياس ولا إجماع! فإن هذا ليس بحرام لِحقِّ اللَّه، وليست حرمة المال أعظم من حرمة النفوس والأطراف، وإذا مَكَّنه الشارع أن يُتلف طَرَفَه بِطرفه فتمكينه من إتلاف ماله في مقابلة ماله (٣) هو أولى وأحرى، وإن حكمةَ القصاص من التَّشَفِّي ودرك الغَيْظ (٤) لا تحصل إلا بذلك، ولأنه قد يكون له غرض في أذاه وإتلافِ ثيابه ويعطيه قيمتها، ولا يشق ذلك عليه لكثرة ماله، فيَشفي نفسَه منه (٥) بذلك، وَيبقى المجني عليه بُغبنهِ وغيظِه، [فكيف يقع إعطاؤه القيمة من شفاء غيظه ودَرْك ثأره] (٦) وبَرْد قلبه وإذاقة الجاني من الأذى ما ذاق هو (٧)؟ فحكمة هذه الشريعة الكاملة الباهرة وقياسها [معًا] (٢) يأبى ذل وقوله: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]، [وقوله] (٢): {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] يقتضي جواز ذلك، وقد صَرَّح الفُقهاء بجواز إحراق زروع (٨) الكفار وقطع أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا، وهذا عين المسألة، وقد أقرّ اللَّه [سبحانه] (٢) الصحابة على قطع نخل اليهود لما فيه من خِزْيِهِم (٩)، وهذا يدل على أنه (١٠) سبحانه يُحبُّ خزي الجاني الظالم ويشرعُه، وإذا جَازَ تحريق متاع الغَالّ (١١) لكونه تعديَّ على المسلمين في خيانتهم في شيء


(١) في المطبوع: "القيمة أو المثل".
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(٣) في (ق): "في مقابلة ما أتلفه هو" وفي (ك): "في مقابلة أنه هو".
(٤) في (ق) و (ك): "الغيض".
(٥) في (ق): "فيشتفي منه".
(٦) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "فكيف يعطي عطاؤه القيمة من شفى غيظه وأدرك ثأره" وفي (ق) قبلها: "فيشتفي بذلك ويبقى المجني عليه بقيته وغيظه".
(٧) في (ق): "وبرد قلبه وأذاق الجاني من الأذى من ذاق هو؟ فحكم هذه الشريعة".
(٨) في (ق): "زرع".
(٩) انظر: سورة الحشر، آية (٥).
(١٠) في (ق): "أن اللَّه".
(١١) أخرج أبو داود في "سننه" (رقم ٢٧١٤) عن صالح بن محمد قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد اللَّه بن عمر وعمر بن عبد العزيز، فغل رجل متاعًا، فأمر الوليد بمتاعه، فأُحرق وطيف به، ولم يعطه سهمه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>