للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [الرد على الفرق الثلاث]]

وكل فرقة من هذه (١) الفرق سَدُّوا على أنفسهم طريقًا من طرق الحق؛ فاضطروا إلى توسعة طريق أخرى أكثر ممَّا تحتمله؛ فنفاة القياس لما سدّوا على أنفسهم (٢) باب التمثيل والتعليل واعتبار الحِكَم والمصالح وهو من الميزان والقسط الذي أنزله اللَّه احتاجوا إلى توسعة الظاهر والاستصحاب، فحمَّلوهما فوق الحاجة ووسعوهما أكثر مما يَسعَانه، فحيث (٣) فهموا من النص حكمًا أثبتوه ولم يبالوا بما وراءه، وحيث [لم يفهموا منه نفوه، وحملوا الاستصحاب] (٤)، وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها (٥)، والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عليها من رأي أو قياس أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس وتركهم له، وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه.

ولكن أخطأوا من أربعة أوجه:

أحدها: رد القياس الصحيح، ولا سيما المنصوص على علته التي يجري النص عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ، ولا يتوقف عاقل في أن قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما لعن عبدَ اللَّه حِمَارًا (٦) على كثرة شُرْبه للخمر: "لا تلعنه، فإنه يُحِبُّ اللَّه ورسوله" (٧) بمنزلة قوله: لا تلعنوا كل من يحب اللَّه ورسوله، وفي أن قوله: "إن اللَّه ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحُمُرِ فإنها رِجْسٌ" (٨) بمنزلة قوله:


(١) في (ك): "هؤلاء" وفي (ق): "هؤلاء الفرق الثلاث".
(٢) في (د): "نفوسهم".
(٣) في (ق): "حيث".
(٤) في (ق): "لم يفهموه منه نفوه وحملوه الاستصحاب".
(٥) في (ق) و (ك): "ونظرها".
(٦) في نسخة: "خمارًا"، وفي أخرى: "حمادًا"، وكلاهما تحريف وصوابه: "حمارًا" بالحاء والراء المهملتين وانظر: "الإصابة" في ترجمة (حمار) (١/ ٣٥١) -التجارية، كذا في (د)، ونحوه باختصار في (و)، ووقع في (ق): "رسول اللَّه" بدل "النبي".
(٧) أخرجه البخاري في "الصحيح" (كتاب الحدود): باب: ما يكره من لعن شارب الخمر، (رقم: ٦٧٨٠)، من حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-.
تنبيه: الرجل اسمه: عبد اللَّه، ولقبه: حمار.
(٨) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب المغازي): باب غزوة خيبر (٧/ ٤٦٧، ٤٦٧ - ٤٦٨/ رقم ٤١٩٨، ٤١٩٩)، ومسلم في "صحيحه" (كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم =

<<  <  ج: ص:  >  >>