للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُوجب رفع ما كان ثابتًا قبل ذلك من الأحكام؛ فلا يقبل قول المعترض: إنه قد زال حكم الاستصحاب بالنزاع الحادث؛ فإن النزاع (١) لا يرفع ما ثبت من الحكم؛ فلا يمكن المعترض رفعه إلا أن يقيم دليلًا على أن ذلك الوصف الحادث جعله الشارع دليلًا على نقل الحكم، وحينئذ فيكون معارضًا في الدليل لا قادحًا في الاستصحاب، فتأمله فإنه التحقيقُ في هذه المسألة.

[فصل [الأصلي في الشروط الصحة أو الفساد]]

الخطأ الرابع لهم: اعتقادهم أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلها على البطلان حتى يقوم دليل على الصحة (٢)، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة شرط أو عقدٍ أو معاملة استصحبوا بطلانه، فأفسدوا بذلك كثيرًا من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم بلا برهان من اللَّه بناء على هذا الأصل، وجمهور الفقهاء على خلافه، وأن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه، وهذا القول هو الصحيح؛ فإن الحكم ببطلانها حكم بالتحريم والتأثيم (٣)، ومعلوم أنه لا حرامٌ إلا ما حَرَّمه اللَّه ورسوله، ولا تأثيم إلا ما أثمَّ اللَّه ورسوله به فاعله، كما أنه لا واجبَ إلا ما أوجبه اللَّه، ولا حرامَ إلا ما حرمه اللَّه، ولا دينَ إلا ما شرعه؛ فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم (٤).

والفرق بينهما أن اللَّه سبحانه لا يُعبدُ إلا بما شرعه على ألسنة رُسُلِه، فإن العبادة حَقُّه على عباده، وحَقُّه الذي أحقَّه هو ورضي به وشَرَعَه، وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها؛ ولهذا نعى اللَّه سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين (٥) -وهو تحريم ما لم يحرمه، والتقرب إليه بما


(١) في (ن): "فإنه".
(٢) انظر مباحث في الشرط في "بدائع الفوائد" (١/ ٤٣ - ٦٠ و ٣/ ٣٤٥)، و"إغاثة اللهفان" (١/ ١٨٠)، ووقع في (ق): "عقود المسلمين ومعاملاتهم وشروطهم".
(٣) في (ق): "حكم بالتأثيم والتحريم".
(٤) انظر: "روضة الناظر" (٢٢)، "التبصرة" (٥٣٣)، "الإبهاج" (١/ ٦١، ٨٤)، "المسوّدة" (٤٧٩)، "الإحكام" (١/ ٥٢) للآمدي، "مجموع فتاوى ابن تيمية" (٧/ ٤٥ - ٤٦ و ٢٩/ ١٥١ و ٢١/ ٥٣٥، ٥٣٩).
(٥) في (ن): "ولهذا نهى اللَّه سبحانه المشركين عن خلاف هذين الأصلين".

<<  <  ج: ص:  >  >>