للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسر السن فكتابُه سبحانه يُطلَق على كلامه وعلى حكمه الذي حكم به على لسان رسوله، ومعلوم أن كل شرط ليس في حكم اللَّه فهو مخالف له فيكون باطلًا (١)؛ فإذا كان اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- قد حكم بأن الولاء للمُعتِق، فشرط خلاف ذلك يكون شرطًا مخالفًا لحكم اللَّه سبحانه، ولكن أين في هذا أن ما سكت عن تحريمه [من العقود والشروط يكون باطلًا حرامًا] (٢) [وتعديًا لحدوده] (٣)؛ وتعدِّي حدود اللَّه هو تحريم ما أحلَّه اللَّه أو إباحة ما حرمه أو إسقاط ما أوجبه، لا إباحة ما سكت عنه أو عفا عنه، بل تحريمه هو نفس تعدي حدوده.

وأما ما ذكرتم من تضمن الشرط (٤) لأحد تلك الأمور الأربعة ففاتكم قسم خامس وهو الحق، وهو ما أباح اللَّه سبحانه للمكلف تنويع أحكامه بالأسباب التي مَلَّكه إياها، فيباشر من الأسباب ما يُحلُّه له بعد أن كان حرامًا عليه، أو يُحرِّمه عليه بعد أن كان حلالًا له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجبًا، أو يُسقطه بعد وجوبه (٥)، وليس في ذلك تغيير لأحكامه، بل كل ذلك من أحكامه سبحانه؛ فهو الذي أحل وحرم وأوجب وأسقط، وإنما إلى العبد الأسباب المقتضية لتلك الأحكام ليس إلا، فكما أن شراء (٦) الأمة ونكاح المرأة يُحلُّ له ما كان حرامًا عليه قبله وطلاقها وبيعها بالعكس يحرمها عليه ويُسقط عنه ما كان واجبًا عليه من حقوقها، كذلك التزامه (٧) بالعقد والعهد والنذر (٨) والشرط؛ فإذا ملك تغيير الحكم بالعقد ملكه بالشرط الذي هو تابع له؛ وقد قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩]، فأباح التجارة التي تراضَى بها المتبايعان؛ فإذا تراضيا على شرطٍ لا يخالف حكم اللَّه جاز لهما ذلك، ولا يجوز إلغاؤه وإلزامهما بما لم يلتزماه ولا ألزمهما اللَّه و [لا] (٩) رسوله به، ولا (١٠) يجوز إلزامهما بما لم يلزمهما اللَّه ورسوله به ولا هما التزماه ولا إبطال ما شَرطَاهُ مما لم يحرم اللَّه ورسوله عليهما شَرْطَه، ومُحرِّم الحلال كمحلل الحرام، فهؤلاء ألغوا من شروط


(١) انظر: "زاد المعاد" (٤/ ٢٤).
(٢) بدل ما بين المعقوفتين في (ن): "لم يكن باطلًا".
(٣) ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(٤) في (ق): "الشروط".
(٥) في المطبوع: "أو يسقط وجوبه بعد وجوبه".
(٦) في (ق): "سرى".
(٧) في (ن): "إلزامه".
(٨) في (ن): "كالنذر".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(١٠) في (ق): "فلا".

<<  <  ج: ص:  >  >>