للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلأن (١) يكون لها الثلث مع الأنثى أوْلى وأحْرَى، وهذا من تنبيه النص بالأدنى على الأعلى، وقالت طائفة: أخذناه من قوله سبحانه (٢): {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] فقيد النِّصفَ بكونها واحدةً، فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلا في حال وَحْدَتها، فإذا كان معها مثلُها فإما أن تُنقصَها عن (٣) النصفِ وهو محالٌ أو يشتركان فيه وذلك يُبطلُ الفائدةَ في قوله: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً} [النساء: ١١]، ويجعلُ ذلك لغوًا مُوهِمًا خلافَ المراد به وهو محال، فتعين القسم الثالث وهو انتقالُ الفرضِ من النصف إلى ما فوقه وهو الثُلثان.

فإن قيل: فأيُّ فائدةٍ [في التقييد بقوله] (٤): {فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١١] والحكمُ لا يختص بما فوقهما؟

قيل: حسنُ ترتيب الكلامِ وتأليفهِ ومطابقةِ مضمرِه لظاهره أوجبَ ذلك؛ فإنه سبحانه قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١]، فالضمير في {كُنَّ} مجموعٌ يطابق الأولاد، أي: فإن كان الأولادُ نساءً فذكر لفظ الأولاد وهو جمع {كُنَّ} (٥) وهو ضمير جمع، و {نِسَاءً} وهو اسم جمع، فلم يكن بد من فوق اثنتين، وفيه نكتة أخرى، وهي (٦) أنه سبحانه قد ذكر ميراثَ الواحدةِ نصًا وميراث الثنتين تنبيهًا كما تقدم، فكان في ذكر العدد الزائد على الاثنتين دلالة على أن الفرضَ (٧) لا يزيدُ بزيادتِهنَّ على الاثنتين كما زاد بزيادة الواحدة على الأخرى. وأيضًا فإن ميراثَ الاثنتين قد عُلم من النص، فلو قال: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١٧٦] كان تكرارًا (٨) ولم يُعلم منه حكم ما زاد عليهما، فكان ذكر الجمع في غاية البيان والإيجاز، ومطابقة أولُ الكلام وآخرُه وحسن تأليفه وتناسبه. وهذا بخلاف سياق آخر السورة فإنه قال: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦]، فلم يتقدم اسمُ جمعٍ ولا ضميرُ جمع يقتضي أن يقول: فإن كُنَّ [نساءً] (٩) فوق اثنتين.


(١) في (د) و (ك): "فأن".
(٢) في (ق): "تعالى".
(٣) في (ق): "من".
(٤) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "بالتقييد بقوله له".
(٥) في (د): "وضمير كُنَّ" وفي (ق): "وكن".
(٦) في المطبوع و (ق) و (ك): "وهو".
(٧) في (ن): "النص".
(٨) في المطبوع و (ق) و (ك): "تكريرًا".
(٩) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>