للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحلال والحرام علم أنه لا يجوز" (١)، فتبين (٢) أن النهي عن ذلك مُوجَبُ القياس، فإن هذا لو شرط في المضاربة لم يجز، فإن مبنى المشاركات (٣) على العدل بين الشريكين، فإذا خُصَّ أحدهما بربح دون الآخر لم يكن ذلك عدلًا، بخلاف ما إذا كان لكل منهما جزء مشاع (٤) فإنهما يشتركان في المَغْنَمِ والمَغْرم، فإن حصل ربح اشتركا فيه، وإن لم يحصل شيء اشتركا في المغرم، وذهب نفعُ بَدَنِ هذا كما ذهب نفعُ مال هذا، ولهذا كانت الوضيعة على المال؛ لأن ذلك في مقابلة ذهاب نفع المال، ولهذا كان الصواب أنه يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل (٥)، فيُعْطَى العامل ما جرت العادة أن يُعطاه (٦) مثله إما نصفه أو ثلثه، فأما أن يُعطى شيئًا مقدَّرًا مضمونًا في ذمة المالك كما يُعطى في الإجارة والجَعَالة فهذا غلط ممن قاله، وسببُ غلطه (٧) ظنُّه أن هذه إجارة فإعطاءه في فاسدها عوضَ المثلِ كما يعطيه في الصحيح المُسمَّى، ومما يبين غلط هذا القول أن العامل قد يعمل عشر سنين أو أكثر، فلو أُعطي أجرة أُعطي (٨) أضعاف رأس المال، وهو في الصحيح (٩) لا يستحق إلا جزءًا من الربح إن كان هناك ربح، فكيف يستحق في الفاسدة أضعاف ما يستحقه في الصحيحة؟ وكذلك الذين أبطلوا المزارعة والمساقاة (١٠) ظنوا أنهما إجارة بعوض مجهول فابطلوهما، وبعضُهم صحَّح منهما (١١)


= المزارعة، ومسلم (١٥٤٧) (كتاب البيوع): باب كراء الأبيض بالذهب والوَرِق عن رافع قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلًا، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أخرجت ذه، ولم تخرج ذه، فنهاهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. لفظ البخاري.
وأخرج مسلم (١٥٣٦) (٩٦) عن جابر بن عبد اللَّه قال: كُنّا في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات فقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك، فقال: من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فلْيُمسِكها".
(١) علق البخاري في "الصحيح" (كتاب الحرث والمزارعة): (قبل رقم ٢٣٤٦، ٢٣٤٧) عن الليث بن سعد قوله: "وكان الذي نُهي عن ذلك، ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه، لما فيه من المخاطرة".
ووقع في (ك) و (ق): "إذا نظر فيه ذو البصر".
(٢) في (ن): "فبين".
(٣) في (ن): "الشركات" وفي (ق): "بناء المشاركات".
(٤) في المطبوع: "شائع".
(٥) زاد هنا في (ك): "لا أجرة المثل".
(٦) في (ك) و (ق): "يُعطى".
(٧) في (ن): "وسببه".
(٨) في (ق): "فلو أُعطي أجرة المثل أعطي".
(٩) في (د) و (ك): "الصحيحة".
(١٠) في (ق): "المساقاة والمزارعة".
(١١) في (ق): "منها".

<<  <  ج: ص:  >  >>